وجعل الله هذه العقوبة {نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} أي: لمن حضرها من الأمم، وبلغه خبرها، ممن هو في وقتهم. {وَمَا خَلْفَهَا} أي: من بعدهم، فتقوم على العباد حجة الله، وليرتدعوا عن معاصيه، ولكنها لا تكون موعظة نافعة إلا للمتقين، وأما من عداهم فلا ينتفعون بالآيات.
أي: واذكروا ما جرى لكم مع موسى، حين قتلتم قتيلا وادارأتم فيه، أي: تدافعتم واختلفتم في قاتله، حتى تفاقم الأمر بينكم وكاد - لولا تبيين الله لكم - يحدث بينكم شر كبير، فقال لكم موسى في تبيين القاتل: اذبحوا بقرة، وكان من الواجب المبادرة إلى امتثال أمره، وعدم الاعتراض عليه، ولكنهم أبوا إلا الاعتراض، فقالوا:{أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} فقال نبي الله: {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} فإن الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه، وهو الذي يستهزئ بالناس، وأما العاقل فيرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل، استهزاءه بمن هو آدمي مثله، وإن كان قد فضل عليه، فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه، والرحمة لعباده. فلما قال لهم موسى ذلك، علموا أن ذلك صدق فقالوا:{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} .
أي: ما سنها؟ {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ} أي: كبيرة {وَلا بِكْرٌ} أي: صغيرة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} واتركوا التشديد والتعنت.