وهذا أيضا دليل آخر على توحد الله بالخلق والتدبير والإماتة والإحياء، فقال:{أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها} أي: قد باد أهلها وفني سكانها وسقطت حيطانها على عروشها، فلم يبق بها أنيس بل بقيت موحشة من أهلها مقفرة، فوقف عليها ذلك الرجل متعجبا و {قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها} استبعادا لذلك وجهلا بقدرة الله تعالى، فلما أراد الله به خيرا أراه آية في نفسه وفي حماره، وكان معه طعام وشراب، {فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم} استقصارا لتلك المدة التي مات فيها لكونه قد زالت معرفته وحواسه وكان عهد حاله قبل موته، فقيل له {بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} أي: لم يتغير بل بقي على حاله على تطاول السنين واختلاف الأوقات عليه، ففيه أكبر دليل على قدرته حيث أبقاه وحفظه عن التغير والفساد، مع أن الطعام والشراب من أسرع الأشياء فسادا {وانظر إلى حمارك} وكان قد مات وتمزق لحمه وجلده وانتثرت عظامه، وتفرقت أوصاله {ولنجعلك آية للناس} على قدرة الله وبعثه الأموات من قبورهم، لتكون أنموذجا محسوسا مشاهدا بالأبصار، فيعلموا بذلك صحة ما أخبرت به الرسل {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} أي: ندخل بعضها في بعض، ونركب بعضها ببعض {ثم نكسوها لحما} فنظر إليها عيانا كما وصفها الله تعالى، {فلما تبين له} ذلك وعلم قدرة الله تعالى {قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} والظاهر من سياق الآية أن هذا رجل منكر للبعث أراد الله به خيرا، وأن يجعله آية ودليلا للناس لثلاثة أوجه أحدها قوله {أنى يحيي هذه الله بعد موتها} ولو كان نبيا أو عبدا صالحا لم يقل ذلك، والثاني: أن الله أراه آية في طعامه وشرابه وحماره ونفسه ليراه بعينه فيقر بما أنكره، ولم يذكر في الآية أن القرية المذكورة عمرت وعادت إلى حالتها، ولا في السياق ما يدل على ذلك، ولا في ذلك كثير فائدة، ما الفائدة الدالة على إحياء الله للموتى في قرية خربت ثم رجع إليها أهلها أو غيرهم فعمروها؟! وإنما الدليل الحقيقي في إحيائه وإحياء حماره وإبقاء طعامه وشرابه بحاله، والثالث في قوله:{فلما تبين له} أي: تبين له أمر كان يجهله ويخفى عليه، فعلم بذلك صحة ما ذكرناه، والله أعلم. ثم قال تعالى: