يخبر تعالى أنه أنزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لنفع الخلق، ليخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والأخلاق السيئة وأنواع المعاصي إلى نور العلم والإيمان والأخلاق الحسنة، وقوله:{بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي: لا يحصل منهم المراد المحبوب لله، إلا بإرادة من الله ومعونة، ففيه حث للعباد على الاستعانة بربهم.
ثم فسر النور الذي يهديهم إليه هذا الكتاب فقال:{إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} أي: الموصل إليه وإلى دار كرامته، المشتمل على العلم بالحق والعمل به، وفي ذكر {العزيز الحميد} بعد ذكر الصراط الموصل إليه إشارة إلى أن من سلكه فهو عزيز بعز الله قوي ولو لم يكن له أنصار إلا الله، محمود في أموره، حسن العاقبة.
وليدل ذلك على أن صراط الله من أكبر الأدلة على ما لله من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وأن الذي نصبه لعباده، عزيز السلطان، حميد في أقواله وأفعاله وأحكامه، وأنه مألوه معبود بالعبادات التي هي منازل الصراط المستقيم، وأنه كما أن له ملك السماوات والأرض خلقا ورزقا وتدبيرا، فله الحكم على عباده بأحكامه الدينية، لأنهم ملكه، ولا يليق به أن يتركهم سدى، فلما بيَّن الدليل والبرهان توعد من لم ينقد لذلك، فقال:{وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} لا يقدر قدره، ولا يوصف أمره، ثم وصفهم بأنهم {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} فرضوا بها واطمأنوا، وغفلوا عن الدار الآخرة.
{وَيَصُدُّونَ} الناس {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} التي نصبها لعباده وبينها في كتبه وعلى ألسنة رسله، فهؤلاء قد نابذوا مولاهم بالمعاداة والمحاربة، {وَيَبْغُونَهَا} أي: سبيل الله {عِوَجًا} أي: يحرصون على تهجينها وتقبيحها، للتنفير عنها، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
{أُولَئِكَ} الذين ذكر وصفهم {فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} لأنهم ضلوا وأضلوا، وشاقوا الله ورسوله وحاربوهما، فأي ضلال أبعد من هذا؟!! وأما أهل الإيمان فبعكس هؤلاء يؤمنون بالله وآياته، ويستحبون الآخرة على الدنيا ويدعون إلى سبيل الله ويحسنونها مهما أمكنهم، ويبينون استقامتها.