{١٠ - ٦٨} {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} إلى آخر القصة قوله: {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}
أعاد الباري تعالى، قصة موسى وثناها في القرآن، ما لم يثن غيرها، لكونها مشتملة على حكم عظيمة، وعبر وفيها نبأه مع الظالمين والمؤمنين، وهو صاحب الشريعة الكبرى، وصاحب التوراة أفضل الكتب بعد القرآن فقال: واذكر حالة موسى الفاضلة، وقت نداء الله إياه، حين كلمه ونبأه وأرسله فقال: {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الذين تكبروا في الأرض، وعلوا على أهلها وادعى كبيرهم الربوبية.
{قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} أي: قل لهم، بلين قول، ولطف عبارة {أَلا تَتَّقُونَ} الله الذي خلقكم ورزقكم، فتتركون ما أنتم عليه من الكفر.
فقال موسى عليه السلام، معتذرا من ربه، ومبينا لعذره، وسائلا له المعونة على هذا الحمل الثقيل: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} .
فقال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي} {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} فأجاب الله طلبته ونبأ أخاه هارون كما نبأه {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} أي معاونا لي على أمري أن يصدقوني
{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} أي في قتل القبطي {فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}
{قَالَ كَلا} أي لا يتمكنون من قتلك فإنا سنجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ولهذا لم يتمكن فرعون من قتل موسى مع منابذته له غاية المنابذة وتسفيه رأيه وتضليله وقومه {فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا} الدالة على ⦗٥٩٠⦘ صدقكما وصحة ما جئتما به {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} أحفظكما وأكلؤكما
{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي أرسلنا إليك لتؤمن به وبنا وتنقاد لعبادته وتذعن لتوحيده
{أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} فكف عنهم عذابك وارفع عنهم يدك ليعبدوا ربهم ويقيموا أمر دينهم
فلما جاءا فرعون وقالا له ما قال الله لهما لم يؤمن فرعون ولم يلن وجعل يعارض موسى فـ {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} أي ألم ننعم عليك ونقم بتربيتك منذ كنت وليدا في مهدك ولم تزل كذلك
{وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} وهي قتل موسى للقبطي، حين استغاثه الذي من شيعته، على الذي من عدوه {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} الآية.
{وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أي: وأنت إذ ذاك طريقك طريقنا، وسبيلك سبيلنا، في الكفر، فأقر على نفسه بالكفر، من حيث لا يدري.