{قال هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} أما يوسف فظاهر فعلهم فيه، وأما أخوه، فلعله والله أعلم قولهم:{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} أو أن الحادث الذي فرَّق بينه وبين أبيه، هم السبب فيه، والأصل الموجب له. {إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} وهذا نوع اعتذار لهم بجهلهم، أو توبيخ لهم إذ فعلوا فعل الجاهلين، مع أنه لا ينبغي ولا يليق منهم.
فعرفوا أن الذي خاطبهم هو يوسف، فقالوا:{أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} بالإيمان والتقوى والتمكين في الدنيا، وذلك بسبب الصبر والتقوى، {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} أي: يتقي فعل ما حرم الله، ويصبر على الآلام والمصائب، وعلى الأوامر بامتثالها {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} فإن هذا من الإحسان، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} أي: فضلك علينا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وأسأنا إليك غاية الإساءة، وحرصنا على إيصال الأذى إليك، والتبعيد لك عن أبيك، فآثرك الله تعالى ومكنك مما تريد {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} وهذا غاية الاعتراف منهم بالجرم الحاصل منهم على يوسف.
فـ {قَالَ} لهم يوسف عليه السلام، كرما وجودا: ⦗٤٠٥⦘ {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} أي: لا أثرب عليكم ولا ألومكم {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فسمح لهم سماحا تاما، من غير تعيير لهم على ذكر الذنب السابق، ودعا لهم بالمغفرة والرحمة، وهذا نهاية الإحسان، الذي لا يتأتى إلا من خواص الخلق وخيار المصطفين.