وأما الآخرة، فإنها {خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} في ذاتها وصفاتها، وبقائها ودوامها، وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، من نعيم القلوب والأرواح، وكثرة السرور والأفراح، ولكنها ليست لكل أحد، وإنما هي للمتقين الذين يفعلون أوامر الله، ويتركون نواهيه وزواجره {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي: أفلا يكون لكم عقول، بها تدركون، أيّ الدارين أحق بالإيثار. {٣٣ - ٣٥}{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} .
أي: قد نعلم أن الذي يقول المكذبون فيك يحزنك ويسوءك، ولم ⦗٢٥٥⦘ نأمرك بما أمرناك به من الصبر إلا لتحصل لك المنازل العالية والأحوال الغالية. فلا تظن أن قولهم صادر عن اشتباه في أمرك، وشك فيك. {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} لأنهم يعرفون صدقك، ومدخلك ومخرجك، وجميع أحوالك، حتى إنهم كانوا يسمونه -قبل البعثة- الأمين. {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أي: فإن تكذيبهم لآيات الله التي جعلها الله على يديك (١) .
{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} فاصبر كما صبروا، تظفر كما ظفروا. {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} ما به يثبت فؤادك، ويطمئن به قلبك.
{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} أي: شق عليك، من حرصك عليهم، ومحبتك لإيمانهم، فابذل وسعك في ذلك، فليس في مقدورك، أن تهدي من لم يرد الله هدايته.
{فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} أي: فافعل ذلك، فإنه لا يفيدهم شيئا، وهذا قطع لطمعه في هدايته أشباه هؤلاء المعاندين.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} ولكن حكمته تعالى، اقتضت أنهم يبقون على الضلال. {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الذين لا يعرفون حقائق الأمور، ولا ينزلونها على منازلها.
(١) السياق يقتضي أن يأتي بخبر إن ومقصود الشيخ -رحمه الله- فإن تكذيبهم ... جحود منهم لما علموه حقا.