{٢٣ - ٤٦}{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} إلى آخر القصة.
أي:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} إلى جنس هؤلاء المكذبين {مُوسَى} ابن عمران، {بِآيَاتِنَا} العظيمة، الدالة دلالة قطعية، على حقية ما أرسل به، وبطلان ما عليه من أرسل إليهم من الشرك وما يتبعه. {وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي: حجة بينة، تتسلط على القلوب فتذعن لها، كالحية والعصا ونحوهما من الآيات البينات، التي أيد الله بها موسى، ومكنه مما دعا إليه من الحق.
والمبعوث إليهم {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وزيره {وَقَارُونَ} الذي كان من قوم موسى، فبغى عليهم بماله، وكلهم ردوا عليه أشد الرد {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا} وأيده الله بالمعجزات الباهرة، الموجبة لتمام الإذعان، لم يقابلوها بذلك، ولم يكفهم مجرد الترك والإعراض، بل ولا إنكارها ومعارضتها بباطلهم، بل وصلت بهم الحال الشنيعة إلى أن {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ} حيث كادوا هذه المكيدة، وزعموا أنهم إذا قتلوا أبناءهم، لم يقووا، وبقوا في رقهم وتحت عبوديتهم.
فما كيدهم إلا في ضلال، حيث لم يتم لهم ما قصدوا، بل أصابهم ضد ما قصدوا، أهلكهم الله وأبادهم عن آخرهم.
(١) وتدبر هذه النكتة التي يكثر مرورها بكتاب الله تعالى: إذا كان السياق في قصة معينة أو على شيء معين، وأراد الله أن يحكم على ذلك المعين بحكم، لا يختص به ذكر الحكم، وعلقه على الوصف العام ليكون أعم، وتندرج فيه الصورة التي سيق الكلام لأجلها، وليندفع الإيهام باختصاص الحكم بذلك المعين.
فلهذا لم يقل {وما كيدهم إلا في ضلال} . بل قال:{وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} .