لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث، وأنهم يرون ما أنزل على رسوله ليس بحق، ذكر حالة الموفقين من العباد، وهم أهل العلم، وأنهم يرون ما أنزل الله على رسوله من الكتاب، وما اشتمل عليه من الأخبار، هو الحق، أي: الحق منحصر فيه، وما خالفه وناقضه، فإنه باطل، لأنهم وصلوا من العلم إلى درجة اليقين.
ويرون أيضا أنه في أوامره ونواهيه {يَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} وذلك أنهم جزموا بصدق ما أخبر به من وجوه كثيرة: من جهة علمهم بصدق من أخبر به، ومن جهة موافقته للأمور الواقعة، والكتب السابقة، ومن جهة ما يشاهدون من أخبارها، التي تقع عيانا، ومن جهة ما يشاهدون من الآيات العظيمة الدالة عليها في الآفاق وفي أنفسهم ومن جهة موافقتها، لما دلت عليه أسماؤه تعالى وأوصافه.
ويرون في الأوامر والنواهي، أنها تهدي إلى الصراط المستقيم، المتضمن للأمر بكل صفة تزكي النفس، وتنمي الأجر، وتفيد العامل وغيره، كالصدق والإخلاص وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى عموم الخلق، ونحو ذلك. وتنهى عن كل صفة قبيحة، تدنس النفس، وتحبط الأجر، وتوجب الإثم والوزر، من الشرك، والزنا، والربا، والظلم في الدماء والأموال، والأعراض.
وهذه منقبة لأهل العلم وفضيلة، وعلامة لهم، وأنه كلما كان العبد أعظم علما وتصديقا بأخبار ما جاء به الرسول، وأعظم معرفة بحكم أوامره ونواهيه، كان من أهل العلم الذين جعلهم الله حجة على ما جاء به الرسول، احتج الله بهم على المكذبين المعاندين، كما في هذه الآية وغيرها.