يقول تعالى -مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بآيات الله:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ} أي: إذا سألوا عن القرآن والوحي الذي هو أكبر نعمة أنعم الله بها على العباد، فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها أم تكفرون وتعاندون؟
فيكون جوابهم أقبح جواب وأسمجه، فيقولون عنه: إنه {أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أي: كذب اختلقه محمد على الله، وما هو إلا قصص الأولين التي يتناقلها الناس جيلا بعد جيل، منها الصدق ومنها الكذب، فقالوا هذه المقالة، ودعوا أتباعهم إليها، وحملوا وزرهم ووزر من انقاد لهم إلى يوم القيامة.
وقوله:{وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي: من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم إلا ما دعوهم إليه، فيحملون إثم ما دعوهم إليه، وأما الذين يعلمون فكلٌّ مستقلٌّ بجرمه، لأنه عرف ما عرفوا {أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} أي: بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم، من وزرهم ووزر من أضلوه.
{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} برسلهم واحتالوا بأنواع الحيل على رد ما جاءوهم به وبنوا من مكرهم قصورا هائلة، {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} أي: جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها، {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} فصار ما بنوه عذابا عذبوا به، {وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم ويقيهم العذاب فصار عذابهم فيما بنوه وأصَّلوه.
وهذا من أحسن الأمثال في إبطال الله مكر أعدائه. فإنهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم وجعلوا لهم أصولا وقواعد من الباطل يرجعون إليها، ويردون بها ما جاءت [به] الرسل، واحتالوا أيضا على إيقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم، فصار مكرهم وبالا عليهم، فصار تدبيرهم فيه تدميرهم، وذلك لأن مكرهم سيئ {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} هذا في الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى، ولهذا قال: