وهذا امتنان منه على عباده، يدعوهم به إلى توحيده وعبادته والإنابة إليه، حيث أنعم عليهم بما يسره لهم من الحرث للزروع والثمار، فتخرج من ذلك من الأقوات والأرزاق والفواكه، ما هو من ضروراتهم وحاجاتهم ومصالحهم، التي لا يقدرون أن يحصوها، فضلا عن شكرها، وأداء حقها، فقررهم بمنته، فقال:{أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} أي: أأنتم أخرجتموه نباتا من الأرض؟ أم أنتم الذين نميتموه؟ أم أنتم الذين أخرجتم سنبله وثمره حتى صار حبا حصيدا وثمرا نضيجا؟ أم الله الذي انفرد بذلك وحده، وأنعم به عليكم؟ وأنتم غاية ما تفعلون أن تحرثوا الأرض وتشقوها وتلقوا فيها البذر، ثم بعد ذلك لا علم عندكم بما يكون بعد ذلك، ولا قدرة لكم على أكثر من ذلك ومع ذلك، فنبههم على أن ذلك الحرث معرض للأخطار لولا حفظ الله وإبقاؤه لكم بلغة ومتاعا إلى حين.
فقال:{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ} أي: الزرع المحروث وما فيه من الثمار {حُطَامًا} أي: فتاتا متحطما، لا نفع فيه ولا رزق، {فَظَلْتُمْ} أي: فصرتم بسبب جعله حطاما، بعد أن تعبتم فيه وأنفقتم النفقات الكثيرة {تَفَكَّهُونَ} أي: تندمون وتحسرون على ما أصابكم، ويزول بذلك فرحكم وسروركم وتفكهكم، فتقولون:{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} أي: إنا قد نقصنا وأصابتنا مصيبة اجتاحتنا.
ثم تعرفون بعد ذلك من أين أتيتم، وبأي سبب دهيتم، فتقولون:{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} فاحمدوا الله تعالى حيث زرعه الله لكم، ثم أبقاه وكمله لكم، ولم يرسل عليه من الآفات ما به تحرمون نفعه وخيره.