للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{١٥-١٩} {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} .

يقول تعالى في ذكر ثواب المتقين وأعمالهم، التي أوصلتهم (١) إلى ⦗٨٠٩⦘ ذلك الجزاء: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} أي: الذين كانت التقوى شعارهم، وطاعة الله دثارهم، {فِي جَنَّاتِ} مشتملات على جميع [أصناف] الأشجار، والفواكه، التي يوجد لها نظير في الدنيا، والتي لا يوجد لها نظير، مما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على قلوب العباد (٢) {وَعُيُونٍ} سارحة، تشرب منها تلك البساتين، ويشرب بها عباد الله، يفجرونها تفجيرًا.

{آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} يحتمل أن المعنى أن أهل الجنة قد أعطاهم مولاهم جميع مناهم، من جميع أصناف النعيم، فأخذوا ذلك، راضين به، قد قرت به أعينهم، وفرحت به نفوسهم، ولم يطلبوا منه بدلا ولا يبغون عنه حولا وكل قد ناله من النعيم، ما لا يطلب عليه المزيد، ويحتمل أن هذا وصف المتقين في الدنيا، وأنهم آخذون ما آتاهم الله، من الأوامر والنواهي، أي: قد تلقوها بالرحب، وانشراح الصدر، منقادين لما أمر الله به، بالامتثال على أكمل الوجوه، ولما نهى عنه، بالانزجار عنه لله، على أكمل وجه، فإن الذي أعطاهم الله من الأوامر والنواهي، هو أفضل العطايا، التي حقها، أن تتلقى بالشكر [لله] عليها، والانقياد.

والمعنى الأول، ألصق بسياق الكلام، لأنه ذكر وصفهم في الدنيا، وأعمالهم بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} الوقت الذي وصلوا به إلى النعيم {مُحْسِنِينَ} وهذا شامل لإحسانهم بعبادة ربهم، بأن يعبدوه كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه، فإنه يراهم، وللإحسان إلى عباد الله ببذل النفع والإحسان، من مال، أو علم، أو جاه أو نصيحة، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو غير ذلك من وجوه الإحسان (٣) وطرق الخيرات.

حتى إنه يدخل في ذلك، الإحسان بالقول، والكلام اللين، والإحسان إلى المماليك، والبهائم المملوكة، وغير المملوكة (٤) ومن أفضل أنواع الإحسان في عبادة الخالق، صلاة الليل، الدالة على الإخلاص، وتواطؤ القلب واللسان، ولهذا قال: {كَانُوا} أي: المحسنون {قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} أي: كان هجوعهم أي: نومهم بالليل، قليلا وأما أكثر الليل، فإنهم قانتون لربهم، ما بين صلاة، وقراءة، وذكر، ودعاء، وتضرع.

{وَبِالأسْحَارِ} التي هي قبيل الفجر {هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الله تعالى، فمدوا صلاتهم إلى السحر، ثم جلسوا في خاتمة قيامهم بالليل، يستغفرون الله تعالى، استغفار المذنب لذنبه، وللاستغفار بالأسحار، فضيلة وخصيصة، ليست لغيره، كما قال تعالى في وصف أهل الإيمان والطاعة: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ}

{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} واجب ومستحب {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} أي: للمحتاجين الذين يطلبون من الناس، والذين لا يطلبون منهم (٥) .


(١) في ب: وصلوا بها.
(٢) في ب: قلب بشر.
(٣) في ب: من وجوه البر.
(٤) كذا في ب، وفي أ: التي تملك والتي لا تملك.
(٥) في ب: والذين لا يسألونهم.

<<  <   >  >>