للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} .

⦗٦٣٧⦘

{وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} فتيقنوا ذلك واجزموا به واعلموا أنه لا بد من وقوعه.

فلما نزلت هذه الآيات التي فيها هذا الوعد صدق بها المسلمون، وكفر بها المشركون حتى تراهن بعض المسلمين وبعض المشركين على مدة سنين عينوها، فلما جاء الأجل الذي ضربه الله انتصر الروم على الفرس وأجلوهم من بلادهم التي أخذوها منهم وتحقق وعد الله.

وهذا من الأمور الغيبية التي أخبر بها الله قبل وقوعها ووجدت في زمان من أخبرهم الله بها من المسلمين والمشركين. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أن ما وعد الله به حق فلذلك يوجد فريق منهم يكذبون بوعد الله، ويكذبون آياته.

وهؤلاء الذين لا يعلمون أي: لا يعلمون بواطن الأشياء وعواقبها. وإنما {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فينظرون إلى الأسباب ويجزمون بوقوع الأمر الذي في رأيهم انعقدت أسباب وجوده ويتيقنون عدم الأمر الذي لم يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده شيئا، فهم واقفون مع الأسباب غير ناظرين إلى مسببها المتصرف فيها.

{وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} قد توجهت قلوبهم وأهواؤهم وإراداتهم إلى الدنيا وشهواتها وحطامها فعملت لها وسعت وأقبلت بها وأدبرت وغفلت عن الآخرة، فلا الجنة تشتاق إليها ولا النار تخافها وتخشاها ولا المقام بين يدي الله ولقائه يروعها ويزعجها وهذا علامة الشقاء وعنوان الغفلة عن الآخرة.

ومن العجب أن هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا إلى أمر يحير العقول ويدهش الألباب.

وأظهروا من العجائب الذرية (١) والكهربائية والمراكب البرية والبحرية والهوائية ما فاقوا به وبرزوا وأعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عما أقدرهم الله عليه، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم وأشدهم غفلة عن آخرتهم وأقلهم معرفة بالعواقب، قد رآهم أهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون وفي ضلالهم يعمهون وفي باطلهم يترددون (٢) نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون.

ثم (٣) نظروا إلى ما أعطاهم الله وأقدرهم عليه من الأفكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها و [ما] حرموا من العقل العالي فعرفوا (٤) أن الأمر لله والحكم له في عباده وإن هو إلا توفيقه وخذلانه فخافوا (٥) ربهم وسألوه أن يتم لهم ما وهبهم من نور العقول والإيمان حتى يصلوا إليه، ويحلوا بساحته [وهذه الأمور لو قارنها الإيمان وبنيت عليه لأثمرت الرُّقِيَّ العالي والحياة الطيبة، ولكنها لما بني كثير منها على الإلحاد لم تثمر إلا هبوط الأخلاق وأسباب الفناء والتدمير] (٦) .


(١) كذا في ب، وفي أ: النارية.
(٢) كذا في ب، وفي أ: يتردون.
(٣) هكذا في النسختين وقد شطبت الكلمة في ب، وجعل بدلها (ولو) .
(٤) في ب: عدلت إلى: لعرفوا.
(٥) في ب: عدلت إلى ولخافوا.
(٦) زيادة من هامش ب، لم يتضح أولها وقد نقلته من طبعة السلفية.

<<  <   >  >>