الحمد: الثناء بالصفات الحميدة، والأفعال الحسنة، فلله تعالى الحمد، لأن جميع صفاته، يحمد عليها، لكونها صفات كمال، وأفعاله، يحمد عليها، لأنها دائرة بين الفضل الذي يحمد عليه ويشكر، والعدل الذي يحمد عليه ويعترف بحكمته فيه.
وحمد نفسه هنا، على أن {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} ملكا وعبيدا، يتصرف فيهم بحمده. {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ} لأن في الآخرة، يظهر من حمده، والثناء عليه، ما لا يكون في الدنيا، فإذا قضى الله تعالى بين الخلائق كلهم، ورأى الناس والخلق كلهم، ما حكم به، وكمال عدله وقسطه، وحكمته فيه، حمدوه كلهم على ذلك، حتى أهل العقاب ما دخلوا النار، إلا وقلوبهم ممتلئة من حمده، وأن هذا من جراء أعمالهم، وأنه عادل في حكمه بعقابهم.
وأما ظهور حمده في دار النعيم والثواب، فذلك شيء قد تواردت به الأخبار، وتوافق عليه الدليل السمعي والعقلي، فإنهم في الجنة، يرون من توالي نعم الله، وإدرار خيره، وكثرة بركاته، وسعة عطاياه، التي لم يبق في قلوب أهل الجنة أمنية، ولا إرادة، إلا وقد أعطي فوق ما تمنى وأراد، بل يعطون من الخير ما لم تتعلق به أمانيهم، ولم يخطر بقلوبهم.
فما ظنك بحمدهم لربهم في هذه الحال، مع أن في الجنة تضمحل العوارض والقواطع، التي تقطع عن معرفة الله ومحبته والثناء عليه، ويكون ذلك أحب إلى أهلها من كل نعيم، وألذ عليهم من كل لذة، ولهذا إذا رأوا الله تعالى، وسمعوا كلامه عند خطابه لهم، أذهلهم ذلك عن كل نعيم، ويكون الذكر لهم في الجنة، كالنَّفس، متواصلا في جميع الأوقات، هذا إذا أضفت ذلك إلى أنه يظهر لأهل الجنة في الجنة كل وقت من عظمة ربهم، وجلاله، وجماله، وسعة كماله، ما يوجب لهم كمال الحمد، والثناء عليه.
{وَهُوَ الْحَكِيمُ} في ملكه وتدبيره، الحكيم في أمره ونهيه. {الْخَبِيرُ} المطلع على سرائر الأمور وخفاياها ولهذا فصل علمه بقوله: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ} أي: من مطر، وبذر، وحيوان {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من أنواع النباتات، وأصناف الحيوانات {وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ} من الأملاك والأرزاق والأقدار {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من الملائكة والأرواح وغير ذلك.
ولما ذكر مخلوقاته وحكمته فيها، وعلمه بأحوالها، ذكر مغفرته ورحمته لها، فقال:{وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} أي: الذي الرحمة والمغفرة وصفه، ولم تزل آثارهما تنزل على عباده كل وقت بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما.