{٦٦-٧٣} {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} .
يقول تعالى: ما ينتظر المكذبون، وهل يتوقعون {إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي: فإذا جاءت، فلا تسأل عن أحوال من كذب بها، واستهزأ بمن جاء بها.
وإن الأخلاء يومئذ، أي: يوم القيامة، المتخالين على الكفر والتكذيب ومعصية الله، {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} لأن خلتهم ومحبتهم في الدنيا لغير الله، فانقلبت يوم القيامة عداوة. {إِلا الْمُتَّقِينَ} للشرك والمعاصي، فإن محبتهم تدوم وتتصل، بدوام من كانت المحبة لأجله، ثم ذكر ثواب المتقين، وأن الله تعالى يناديهم يوم القيامة بما يسر قلوبهم، ويذهب عنهم كل آفة وشر، فيقول: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}
أي: لا خوف يلحقكم فيما تستقبلونه من الأمور، ولا حزن يصيبكم فيما مضى منها، وإذا انتفى المكروه من كل وجه، ثبت المحبوب المطلوب.
{الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وكانوا مسلمين} أي: وصفهم الإيمان بآيات الله، وذلك ليشمل التصديق بها، وما لا يتم التصديق إلا به، من العلم بمعناها والعمل بمقتضاها. {وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} لله منقادين له في جميع أحوالهم، فجمعوا بين الاتصاف بعمل الظاهر والباطن.
{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} التي هي دار القرار {أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} أي: من كان على مثل عملكم، من كل مقارن لكم، من زوجة، وولد، وصاحب، وغيرهم. {تُحْبَرُونَ} أي: تنعمون وتكرمون، ويأتيكم من فضل ربكم من الخيرات والسرور والأفراح واللذات، ما لا تعبر الألسن عن وصفه.
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} أي: تدور عليهم خدامهم، من الولدان المخلدين بطعامهم، بأحسن الأواني وأفخرها، وهي صحاف الذهب وشرابهم، بألطف الأواني، وهي الأكواب التي لا عرى لها، وهي من أصفى الأواني، من فضة أعظم من صفاء القوارير.
{وَفِيهَا} أي: الجنة {مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ} وهذا لفظ جامع، يأتي على كل نعيم وفرح، وقرة عين، وسرور قلب، فكل ما اشتهته النفوس، من مطاعم، ومشارب، وملابس، ومناكح، ولذته العيون، من مناظر حسنة، وأشجار محدقة، ونعم مونقة، ومبان مزخرفة، فإنه حاصل فيها، معد لأهلها، على أكمل الوجوه وأفضلها، كما قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} {وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وهذا هو تمام نعيم أهل الجنة، وهو الخلد الدائم فيها، الذي يتضمن دوام نعيمها وزيادته، وعدم انقطاعه.
{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ} الموصوفة بأكمل الصفات، هي {الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: أورثكم الله إياها بأعمالكم، وجعلها من فضله جزاء لها، وأودع فيها من رحمته ما أودع.
[ {لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ} كما في الآية الأخرى: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} {مِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي: مما تتخيرون من تلك الفواكه الشهية، ⦗٧٧٠⦘ والثمار اللذيذة تأكلون] (١) ولما ذكر نعيم الجنة، عقبه بذكر عذاب جهنم، فقال:
(١) ما بين الحاصرتين جاء في نسخة (أ) مقدما على تفسير الآية السابقة (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) .