يخبر تعالى عن عظمته وكماله، الموجب لخسران من كفر به فقال:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} هذه العبارة وما أشبهها، مما هو كثير في القرآن، تدل على أن جميع الأشياء - غير الله - مخلوقة، ففيها رد على كل من قال بقدم بعض المخلوقات، كالفلاسفة القائلين بقدم الأرض والسماوات، وكالقائلين بقدم الأرواح، ونحو ذلك من أقوال أهل الباطل، المتضمنة تعطيل الخالق عن خلقه.
وليس كلام الله من الأشياء المخلوقة، لأن الكلام صفة المتكلم، والله تعالى بأسمائه وصفاته أول ليس قبله شيء، فأخذ أهل الاعتزال من هذه الآية ونحوها أنه مخلوق، من أعظم الجهل، فإنه تعالى لم يزل بأسمائه وصفاته، ولم يحدث له صفة من صفاته، ولم يكن معطلا عنها بوقت من الأوقات، والشاهد من هذا، أن الله تعالى أخبر عن نفسه الكريمة أنه خالق لجميع العالم العلوي والسفلي، وأنه على كل شيء وكيل، والوكالة التامة لا بد فيها من علم الوكيل، بما كان وكيلا عليه، وإحاطته بتفاصيله، ومن قدرة تامة على ما هو وكيل عليه، ليتمكن من التصرف فيه، ومن حفظ لما هو وكيل عليه، ومن حكمة، ومعرفة بوجوه التصرفات، ليصرفها ويدبرها على ما هو الأليق، فلا تتم الوكالة إلا بذلك كله، فما نقص من ذلك، فهو نقص فيها.
ومن المعلوم المتقرر، أن الله تعالى منزه عن كل نقص في صفة من صفاته، فإخباره بأنه على كل شيء وكيل، يدل على إحاطة علمه بجميع الأشياء، وكمال قدرته على تدبيرها، وكمال تدبيره، وكمال حكمته التي يضع بها الأشياء مواضعها.
{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: مفاتيحها، علما ⦗٧٢٩⦘ وتدبيرا، فـ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فلما بين من عظمته ما يقتضي أن تمتلئ القلوب له إجلالا وإكراما، ذكر حال من عكس القضية فلم يقدره حق قدره، فقال:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ} الدالة على الحق اليقين والصراط المستقيم. {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} خسروا ما به تصلح القلوب من التأله والإخلاص لله، وما به تصلح الألسن من إشغالها بذكر الله، وما تصلح به الجوارح من طاعة الله، وتعوضوا عن ذلك كل مفسد للقلوب والأبدان، وخسروا جنات النعيم، وتعوضوا عنها بالعذاب الأليم.