أي وأقسم هؤلاء، الذين كذبوك يا رسول الله، قسما اجتهدوا فيه بالأيمان الغليظة. {لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ} أي: أهدى من اليهود والنصارى [أهل الكتب] ، فلم يفوا بتلك الإقسامات والعهود.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} لم يهتدوا، ولم يصيروا أهدى من إحدى الأمم، بل لم يدوموا على ضلالهم الذي كان، بل {مَا زَادَهُمْ} ذلك {إِلا نُفُورًا} وزيادة ضلال وبغي وعناد.
وليس إقسامهم المذكور، لقصد حسن، وطلب للحق، وإلا لوفقوا له، ولكنه صادر عن استكبار في الأرض على الخلق، وعلى الحق، وبهرجة في كلامهم هذا، يريدون به المكر والخداع، وأنهم أهل الحق، الحريصون على طلبه، فيغتر به المغترون، ويمشي خلفهم المقتدون.
{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ} الذي مقصوده مقصود سيئ، ومآله وما يرمي إليه سيئ باطل {إِلا بِأَهْلِهِ} فمكرهم إنما يعود عليهم، وقد أبان الله لعباده في هذه المقالات وتلك الإقسامات، أنهم كذبة في ذلك مزورون، فاستبان خزيهم، وظهرت فضيحتهم، وتبين قصدهم السيئ، فعاد مكرهم في نحورهم، ورد الله كيدهم في صدورهم.
فلم يبق لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، الذي هو سنة الله في الأولين، التي لا تبدل ولا تغير، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد، أن يحل به نقمته، وتسلب عنه نعمته، فَلْيَتَرَّقب هؤلاء، ما فعل بأولئك.