يقول تعالى مبينا أن المتخلفين من المنافقين قد ظهر منهم من القرائن ما يبين أنهم ما قصدوا الخروج للجهاد بالكلية، وأن أعذارهم التي اعتذروها باطلة، فإن العذر هو المانع الذي يمنع إذا بذل العبد وسعه، وسعى في أسباب الخروج، ثم منعه مانع شرعي، فهذا الذي يعذر.
{و} أما هؤلاء المنافقون فـ {لَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} أي: لاستعدوا وعملوا ما يمكنهم من الأسباب، ولكن لما لم يعدوا له عدة، علم أنهم ما أرادوا الخروج.
{وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} معكم في الخروج للغزو {فَثَبَّطَهُمْ} قدرا وقضاء، وإن كان قد أمرهم وحثهم على الخروج، وجعلهم مقتدرين عليه، ولكن بحكمته ما أراد إعانتهم، بل خذلهم وثبطهم {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} من النساء والمعذورين.
ثم ذكر الحكمة في ذلك فقال {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا} أي: نقصا.
{وَلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ} أي: ولسعوا في الفتنة والشر بينكم، وفرقوا جماعتكم المجتمعين، {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أي: هم حريصون على فتنتكم وإلقاء العداوة بينكم.
{وَفِيكُمْ} أناس ضعفاء العقول {سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي: مستجيبون لدعوتهم يغترون بهم، فإذا كانوا هم حريصين على خذلانكم، وإلقاء الشر بينكم، وتثبيطكم عن أعدائكم، وفيكم من يقبل منهم ويستنصحهم. فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين، والنقص الكثير منهم، فلله أتم الحكمة حيث ثبطهم ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحمة بهم، ولطفا من أن يداخلهم ما لا ينفعهم، بل يضرهم.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} فيعلم عباده كيف يحذرونهم، ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم.