هذا تشنيع على من نفى الرسالة، [من اليهود والمشركين](١) وزعم أن الله ما أنزل على بشر من شيء، فمن قال هذا، فما قدر الله حق قدره، ولا عظمه حق عظمته، إذ هذا قدح في حكمته، وزعم أنه يترك عباده هملا لا يأمرهم ولا ينهاهم، ونفي لأعظم منة، امتن الله بها على عباده، وهي الرسالة، التي لا طريق للعباد إلى نيل السعادة، والكرامة، والفلاح، إلا بها، فأي قدح في الله أعظم من هذا؟ "
{قُلْ} لهم -ملزما بفساد قولهم، وقرِّرْهم، بما به يقرون-: {مَنْ أَنزلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} وهو التوراة العظيمة {نُورًا} في ظلمات الجهل {وَهُدًى} من الضلالة، وهاديا إلى الصراط المستقيم علما وعملا وهو الكتاب الذي شاع وذاع، وملأ ذكره القلوب والأسماع. حتى أنهم جعلوا يتناسخونه في القراطيس، ويتصرفون فيه بما شاءوا، فما وافق أهواءهم منه، أبدوه وأظهروه، وما خالف ذلك، أخفوه وكتموه، وذلك كثير.
{وَعُلِّمْتُمْ} من العلوم التي بسبب ذلك الكتاب الجليل {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} فإذا سألتهم عمن أنزل هذا الكتاب الموصوف بتلك الصفات، فأجب عن هذا السؤال. و {قل الله} الذي أنزله، فحينئذ يتضح الحق وينجلي مثل الشمس، وتقوم عليهم الحجة، ثم إذا ألزمتهم بهذا الإلزام {ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} أي: اتركهم يخوضوا في الباطل، ويلعبوا بما لا فائدة فيه، حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.