يخبر تعالى أنه لا يتساوى الأضداد في حكمة الله، وفيما أودعه في فطر عباده. {وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى} فاقد البصر {وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ} فكما أنه من المتقرر عندكم، الذي لا يقبل الشك، أن هذه المذكورات لا تتساوى، فكذلك فلتعلموا أن عدم تساوي المتضادات المعنوية أولى وأولى.
فلا يستوي المؤمن والكافر، ولا المهتدي والضال، ولا العالم والجاهل، ولا أصحاب الجنة وأصحاب النار، ولا أحياء القلوب وأمواتها، فبين هذه الأشياء من التفاوت والفرق ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فإذا علمت المراتب، وميزت الأشياء، وبان الذي ينبغي أن يتنافس في تحصيله من ضده، فليختر الحازم لنفسه، ما هو أولى به وأحقها بالإيثار.
{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ} سماع فهم وقبول، لأنه تعالى هو الهادي الموفق {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} أي: أموات القلوب، أو كما أن دعاءك لا يفيد سكان القبور شيئا، كذلك لا يفيد المعرض المعاند شيئا، ولكن وظيفتك النذارة، وإبلاغ ما أرسلت به، قبل منك أم لا.
ولهذا قال:{إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} أي مجرد إرسالنا إياك بالحق لأن الله تعالى بعثك على حين فترة من الرسل وطموس من السبل واندراس من العلم وضرورة عظيمة إلى بعثك فبعثك الله رحمة للعالمين
وكذلك ما بعثناك به من الدين القويم والصراط المستقيم حق لا باطل وكذلك ما أرسلناك به من هذا القرآن العظيم وما اشتمل عليه من الذكر الحكيم حق وصدق {بَشِيرًا} لمن أطاعك بثواب الله العاجل والآجل {وَنَذِيرًا} لمن عصاك بعقاب الله العاجل والآجل ولست ببدع من الرسل
فما {مِنْ أُمَّةٍ} من الأمم الماضية والقرون الخالية {إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} يقيم عليهم حجة الله {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}