للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{٥ - ٨} {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} .

قدم تعالى - أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة - الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها، لأن من قام ⦗٣١٦⦘ بها استقامت أحواله وصلحت أعماله، التي من أكبرها الجهاد في سبيله. فكما أن إيمانهم هو الإيمان الحقيقي، وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم الله به،. كذلك أخرج الله رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في {بدر} بالحق الذي يحبه الله تعالى، وقد قدره وقضاه.

وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال.

فحين تبين لهم أن ذلك واقع، جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويكرهون لقاء عدوهم، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.

والحال أن هذا لا ينبغي منهم، خصوصا بعد ما تبين لهم أن خروجهم بالحق، ومما أمر الله به ورضيه،. فبهذه الحال ليس للجدال محل [فيها] (١) لأن الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الأمر،. فأما إذا وضح وبان، فليس إلا الانقياد والإذعان.

هذا وكثير من المؤمنين لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء، ولا كرهوا لقاء عدوهم،. وكذلك الذين عاتبهم الله، انقادوا للجهاد أشد الانقياد، وثبتهم الله، وقيض لهم من الأسباب ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها.

وكان أصل خروجهم يتعرضون لعير خرجت مع أبي سفيان بن حرب لقريش إلى الشام، قافلة كبيرة،. فلما سمعوا برجوعها من الشام، ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس،. فخرج معه ثلاثمائة، وبضعة عشر رجلا معهم سبعون بعيرا، يعتقبون عليها، ويحملون عليها متاعهم،. فسمعت بخبرهم قريش، فخرجوا لمنع عيرهم، في عَدَدٍ كثير وعُدَّةٍ وافرة من السلاح والخيل والرجال، يبلغ عددهم قريبا من الألف.

فوعد الله المؤمنين إحدى الطائفتين، إما أن يظفروا بالعير، أو بالنفير،. فأحبوا العير لقلة ذات يد المسلمين، ولأنها غير ذات شوكة،. ولكن الله تعالى أحب لهم وأراد أمرا أعلى مما أحبوا.

أراد أن يظفروا بالنفير الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم،. {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} فينصر أهله {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} أي: يستأصل أهل الباطل، ويُرِيَ عباده من نصره للحق أمرا لم يكن يخطر ببالهم.

{لِيُحِقَّ الْحَقَّ} بما يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه،. {وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} بما يقيم من الأدلة والشواهد على بطلانه {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} فلا يبالي الله بهم.


(١) زيادة من هامش ب.

<<  <   >  >>