للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين العدل والفضل والحكمة.

وكذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام، إلا على حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله.

فأخباره كلها حق وصدق، وأوامره ونواهيه عدل وحكمة.

وهذا العلم أعظم وأشهر من أن ينبه عليه لوضوحه: وكيف يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

ومنها: ذكر الأنبياء والمرسلين، وما أرسلوا به، وما جرى لهم مع أممهم. وفي ذلك عدة فوائد:

منها: أن من تمام الإيمان بهم معرفتهم بصفاتهم وسيرهم وأحوالهم. وكلما كان المؤمن بذلك أعرف، كان أعظم إيمانا بهم، ومحبة لهم، وتعظيما لهم، وتعزيزا وتوقيرا.

ومنها: أن من بعض حقوقهم علينا -خصوصا النبي محمد صلى الله عليه وسلم- معرفتهم ومحبتهم محبة صادقة، ولا سبيل لذلك إلا بمعرفة أحوالهم.

ومنها: أن معرفة الأنبياء موجبة لشكر الله تعالى على ما من به على المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولا منهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، بعد أن كانوا في ضلال مبين.

ومنها: أن الرسل هم المربون للمؤمنين، الذين ما نال المؤمنون (١) مثقال ذرة من الخير، ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر، إلا على أيديهم وبسببهم.

فقبيح بالمؤمن أن يجهل حالة مربيه ومزكيه ومعلمه.

وإذا كان من المستنكر جهل الإنسان بحال أبويه ومباعدته لذلك، فكيف بحالة الرسول، الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو أبوهم الحقيقي، الذي حقه مقدم على سائر الحقوق بعد حق الله تعالى؟!!

ومنها: أن في معرفة ما جرى لهم وجرى عليهم، تحصل للمؤمن (٢) الأسوة والقدوة، وتخف عنه كثير من المقلقات والمزعجات، لأنها مهما بلغت من الثقل والشدة، فلا تصل إلى بعض ما جرى على الأنبياء. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}

ومن أعظم الاقتداء بهم، الاقتداء بتعليماتهم، وكيفية إلقاء العلم على حسب مراتب الخلق، والصبر على التعليم، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وبهذا وأمثاله كان العلماء ورثة الأنبياء.

ومن فوائد معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم، معرفة الآيات القرآنية المنزلة عليه وفهم المعنى. والمراد منها موقوف على معرفة أحوال الرسول، وسيرته مع قومه وأصحابه وغيرهم من الناس، فإن الأزمنة والأمكنة والأشخاص تختلف اختلافا كثيرا.

فلو أراد إنسان (٣) أن يصرف همه لمعرفة معاني القرآن من دون معرفة منه لذلك، لحصل من الغلط على الله وعلى رسوله، وعلى مراد الله من كلامه، شيء كثير.

وهذا إنما يعرفه من عرف ما في أكثر التفاسير من الأغلاط القبيحة التي ينزه عنها كلام الله (٤) وغير


(١) كذا في ب، وفي أ: المؤمن.
(٢) في ب: للمؤمنين.
(٣) في ب: الإنسان.
(٤) في ب جاءت الجملة هكذا (ما في كثير من التفاسير من الأغلاط التي ينزه عنها كلام الله) وقد شطبت هذه الجملة، وكتب الشيخ- رحمه الله- في الهامش بدلا عنها ما يلي (كيف كثر حمل مراد الله ورسوله على العرف الحادث فوقع الخلل الكثير) .

<<  <   >  >>