للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِنْ نَقُولُ} فيك {إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} أي: أصابتك بخبال وجنون، فصرت تهذي بما لا يعقل. فسبحان من طبع على قلوب الظالمين، كيف جعلوا أصدق الخلق الذي جاء بأحق الحق، بهذه المرتبة، التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم لولا أن الله حكاها عنهم.

ولهذا بين هود، عليه الصلاة والسلام، أنه واثق غاية الوثوق، أنه لا يصيبه منهم، ولا من آلهتهم أذى، فقال: {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا} أي اطلبوا لي الضرر كلكم بكل طريق تتمكنون بها مني {ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} أي لا تمهلوني

{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ} أي اعتمدت في أمري كله على الله {رَبِّي وَرَبِّكُمْ} أي هو خالق الجميع ومدبرنا وإياكم وهو الذي ربانا

{مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} فلا تتحرك ولا تسكن إلا بإذنه فلو اجتمعتم جميعا على الإيقاع بي والله لم يسلطكم علي لم تقدروا على ذلك فإن سلطكم فلحكمة أرادها

فـ {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي على عدل وقسط وحكمة وحمد في قضائه وقدره في شرعه وأمره وفي جزائه وثوابه وعقابه لا تخرج أفعاله عن الصراط المستقيم التي يحمد ويثنى عليه بها

{فَإِنْ تَوَلَّوْا} عما دعوتكم إليه {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} فلم يبق عليَّ تبعة من شأنكم

{وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} يقومون بعبادته ولا يشركون به شيئا {وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} فإن ضرركم إنما يعود عليكم فالله لا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة المطيعين {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}

{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} أي عذابنا بإرسال الريح العقيم التي {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}

{نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} أي عظيم شديد أحله الله بعاد فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم

{وَتِلْكَ عَادٌ} الذين أوقع الله بهم ما أوقع بظلم منهم لأنهم {جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} ولهذا قالوا لهود {ما جئتنا ببينة} فتبين بهذا أنهم متيقنون لدعوته وإنما عاندوا وجحدوا {وَعَصَوْا رُسُلَهُ} لأن من عصى رسولا فقد عصى جميع المرسلين لأن دعوتهم واحدة

{وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ} أي متسلط على عباد الله بالجبروت {عنيد} أي معاند لآيات الله فعصوا كل ناصح ومشفق عليهم واتبعوا كل غاش لهم يريد إهلاكهم لا جرم أهلكهم الله

{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} فكل وقت وجيل إلا ولأنبائهم القبيحة وأخبارهم الشنيعة ذكر يذكرون به وذم يلحقهم {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} لهم أيضا لعنة {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ} أي جحدوا من خلقهم ورزقهم ورباهم {أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} أي أبعدهم الله عن كل خير وقربهم من كل شر

<<  <   >  >>