صبح أم هشام المؤيد بن الحكم المستنصر والنظر في أموالها، وضياعها وزاد أمره في الترقي معها إلى أن مات الحكم المستنصر، وكان هشام صغيراً وخيف الاضطراب فضمن لصبح سكون الحال وزوال الخوف واستقرار الملك لابنها، وكان قوي النفس قدمه حتى صار صاحب التدبير والمتغلب على الأمور، وصحب هشاماً المؤيد وتلقب المنصور وأقام الهيئة فدانت أقطار الأندلس كلها وآمنت به ولم يضطرب عنه شيء منها أيام حياته لعظم هيبته [وسياسته] كان [محباً] للعلم مؤثراً للأدب مقدماً [في إكرام] من ينسب إليهما ويفد عليه متوسلاً بهما حظه منها وطلبه لهما ومشاركته فيهما.
وكان له مجلس معروف في الأسبوع يجتمع فيه أهل العلوم للكلام فيها بحضرته ما كان مقيماً بقرطبة لأنه كان ذا همة ونية في الجهاد مواصلاً لغزو الروم حتى أنه كان ربما يخرج إلى المصلى يوم العيد فتقع له نية في ذلك اليوم فلا يرجع إلى قصره ويخرج بعد انصرافه من الصلاة كما هو من فوره إلى الجهاد فتتبعه العساكر، وتلحق به أولاً فأولاً فلا يصل إلى أوائل الدروب إلا وقد لحقه كل من أراده من العساكر.
غزا نيفاً وخمسين غزوة ذكرت في المآثر العامري بأوقاتها وآثاره فيها، وفتح فتوحاً كثيرة، ووصل إلى معاقل جهة امتنعت على من كان قبله ملأ الأندلس بالغنائم والسبي، وكان في أكثر زمانه لا يخل بغزوتين في السنة، وكان كلما انصرف من قتال العدو إلى سرادقه يأمر بأن ينقض غبار ثيابه التي حضر فيها معركة القتال وأن يجمع ويتحفظ به، فلما حضرته المنية أمر بما اجتمع من ذلك أن ينثر على كفنه إذا وضع في قبره، وتوفى في طريق الغزو في أقصى الثغور بمدينة سالم سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وكان مدته في الإمارة بضعاً وعشرين سنة، وتقلد الإمارة بعده ابنه المظفر أبو مروان عبد الملك بن محمد، فجرى في العزو والسياسة والنيابة عن هشام المؤيد وحجابيه مجرى