دخل الأندلس فسكن بقرطبة على شاطئ الوادي بالميون، فخرج قاضي الجماعة ابن السليم يوماً لحاجة فأصابه مطر اضطره إلى أن دخل "بدايته" في دهليز الشيباني، فوافقه فيه، فرحب بالقاضي وسأله النزول فنزل، وأدخله إلى منزله، وتقاوضا في الحديث فقال له: أصلح الله القاضي، عند جارية مدنية لم يسمع بأطيب من صوتها فإن أذنت أسمعتك عشراً من كتاب الله عز وجل وأبياتاً فقال له: افعل، فأمر الجارية فقرأت، ثم أنشدت، فاستحسن ذلك القاضي وعجب منه، وكان على كمه دنانير فأخرجها، وجعلها تحت الفرش الذي جلس عليه، ولم يعلم بذلك صاحب المنزل، فلما ارتفع المطر ركب القاضي، وودعه الشيباني فدعا القاضي له ولجاريته وقال له:[قد تركت هنالك شيئاً للجارية تستعين به في بعض حوائجها فقال الشيباني: سبحان الله أيها القاضي، فقال: لا بد من ذلك أقسمت عليك لتفعلن] .
فدخل الشيباني فأخذ الصرة فوجد فيها عشرين ديناراً.
[٥٨- محمد بن إسحق بن عبد الله بن إدريس بن خالد، أبو عبد الله]
كان رجلاً صالحاً مذكوراً، وعلى طريقة من الزهد محققة، وله كلام يدل على إخلاصه وصدق طويته، سمع وهو يقول الأحمد بن سعيد بن حزم على سبيل الوعظ في بعض مناجاته إياه: احرص على أن لا تعمل شيئاً إلا بنية فإنك تؤجر في جميع أعمالك "إذا أكلت فإنوا بذلك التقوى لطاعة الله، وكذلك في نومك وتفرجك وسائر أعمالك فإنك ترى ذلك في ميزان حسناتك". قال: أبو محمد بن حزم: سمعته يقول ذلك لأبي فانتفعت به ولم أزل منتفعاً به منذ سمعته، كما أني انتفعت بما رويت عن الخليل - رحمه الله - من قوله: