قال: لما وصلعت بغداد صحبة أبي، أقمت بها مدة، وكان لهم يوم لا تبقى فيه مخدرة ولا صاحب دكان إلا خرجوا إلى منتزهاتهم فأقاموا بها عامة ذلك اليوم ثم انصرفوا، ومن لا منتزه له قعد على شاطئ دجلة ينظر إلى الناس يمرون عليه، وكان معنا من أهل الأندلس أديب شاعر يحضر معنا في مدرسة فخرجنا، وخرج صحبتنا إلى ربوة تقرب من الطريق، وقعدنا هناك والناس يمرون، إلى أن مرت جماعة نساء وبينهم امرأة قد فرعتهم طولاً وبهرتهم حسناً وجمالاً فقام ذلك الفتى لما أبصرها وقال: لا بد لي من معارضة هذه المرأة، فقلنا له اتق الله تعالى، وقمنا إليه لنمسكه فشذ عنا، ورأيناه له ما الذي دهاك فأقام ساعة ثم سرى عنه فقال لنا: خطرت على المرأة حين رأيتموني وقلت:
من أين يأتي ذا الغزال الذي ... قد كحلت بالسحر عيناه
فو الله ما أتممت الكلام حتى قالت:
من دوحة المجد ودار التقى ... وسعية يرضى بها الله
فلم أسمع نفسي من سرعة الجواب وجزالة اللفظ أن بهت وأصابني ما ترون، فسار النسوة مع المرأة غير بعيد ثم انصرفت منهن جارية فقالت لنا: تقول لكم السيدة: الحقوا بها تنالوا بركتها، فمشينا حتى انتهينا إلى بستان حسن فكنا في طائفة منه من خارجه عامة ذلك اليوم يطاف عليها بكل فاكهة إلى أن مضى النهار، فخرجت إليها جارية ومعها جملة دنانير فقالت: تعتذر لكم السيدة إذا لم تجدوا عندها أكثر من هذا فاقبلوا عذرها واستعينوا بهذا على ما أنتم بسبيله من الطلب، فانصرفنا فرحين وسألنا عنها فقيل لنا هي في ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
[٥٤- محمد بن إبراهيم بن سليمان بن سفيان، أبو الحسن]