وقد وقع لنا معنى هذا الخير الذي نظمه يوسف بن هارون عن أبي حنيفة بإسناد حدثنا الخطيب أبو بكر بن علي بن ثابت البغدادي الحافظ قراءة علينا بدمشق من كتابه قال: أخبرني علي بن أحمد الرزاز قال: أخبرنا أبو الليث نصر بن محمد الزاهد النجاري، قدم علينا قال: أخبرنا محمد بن محمد بن سهل النيسابوري قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الشعبي قال: أخبرنا أسد بن نوح قال: أخبرنا محمد بن عباد قال: أخبرنا القاسم بن غسان قال: أخبرنا عبد الله بن رجاء الغداني قال:
كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكافي يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل لحم فطبخه أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه تغزل بصوت وهو يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم.
وكان أبو حنيفة يسمع جلبته كل يوم، وأبو حنيفة كان يصلي الليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته فسأل عنه، فقيل أخذه العسس منذ ليال وهو محبوس.
فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد وركب بغلة واستأذن على الأمير، فقال الأمير: انزلوا له وأقبلوا به راكباً، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط ففعلوا، فلم يزل الأمير يوسع له في محله وقال: ما حاجتك؟ قال: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته فقال: نعم وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا، فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه فقال: يا فتى،