قال له العابد: وهذه ثانية، ثم قال: كيف حبك لمدح الناس وذمهم وللولاية والعزل؟ فقال: ما أبالي في الحق من لامني ممن مدحني، ولا أسر للولاية ولا أستوحش [من] العزل. فقال له العابد: فاقبل القضاء فلا بأس [عليك] . فلما قدم قرطبة قدمه الحكم للقضاء والصلاة. قال أحمد بن خالد: كان أول ما نفذه محمد بن بشير في قضائه هذا من أحكامه التسجيل على أمير المؤمنين الحكم في أرض القنطرة إذ قيم عليه فيها، وثبت عنده حق المدعي وسمع من بينته وأعذر إلى الأمير الحكم فلن يكن عنده مدفع فسجل فيها وأشهد على نفسه. فلما مضت مديدة ابتاعها ابتياعاً صحيحاً وسر [الأمير] بذلك وقال: رحم الله محمد بن بشير، لقد أحسن فيما فعل بنا على كره منا. [كان في أيدينا شيء مشتبه] فصححه لنا، وصار حلالاً طيب الملك في أعقابنا.
وقال ابن وضاح: حكم محمد بن بشير على ابن فطيس الوزير، ولم يعرفه بالشهود فرفع ابن فطيس ذلك إلى الحكم - رحمه الله - فأرسل الأمير إلى ابن بشير أن ابن فطيس ذكر أنك حكمت [عليه بشهادة قوم ولم يعرفه] بهم وأهل العلم يقولون [إن ذلك له] فكتب إليه ابن بشير: ليس ابن فطيس ممن يعرف بمن شهد عليه لأنه إن لم يجد سبيلاً إلى تجريحهم لم يتحرج عن طلبهم في أنفسهم وأموالهم بالأذية لهم فيدعون الشهادة هم ومن أيتسر بهم وتضيع أمور الناس.
وذكر بعض الرواة أن موسى بن سماعة صاحب الحكم أكثر على الحكم في محمد بن بشير، وشكا إليه أنه يجوز عليه. فقال له الحكم: أنا أمتحن قولك في الساعة اخرج من فورك هذا، وسر إليه فإن أذن لك دون خصمك عزلته وإن لم يأذن لك عرفت أنه على الحق وأرددت فيه بصيرة: