للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ حَلَقَ شَعْرَهُ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالنَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ. وَخَرَقَ ثِيَابَهُ.

وَمِنْهَا: حَلْقُ اللِّحْيَةِ، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعْفَائِهَا وَتَوْفِيرِهَا.

وَمِنْهَا: مَنْعُ إِخْوَانِهِ مِنْ تَعْزِيَتِهِ وَنَيْلِ ثَوَابِهَا.

وَمِنْهَا: كَرَاهَتُهُ لِجَرَيَانِ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ بِالْغَفْلَةِ. وَذَلِكَ خَيْرٌ بِلَا شَكٍّ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِهِ.

فَغَايَةُ صَاحِبِ هَذَا: أَنْ تُغْفَرَ لَهُ هَذِهِ الذُّنُوبُ وَيُعْفَى عَنْهُ. وَأَمَّا أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِ، وَفِي الْغَيْرَةِ الْمَحْمُودَةِ فَسُبْحَانُكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.

وَمِنْ هَذَا: مَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ النُّورِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُؤَذِّنُ. فَقَالَ: طَعَنَهُ وَسْمُ الْمَوْتِ.

وَسَمِعَ كَلْبًا يَنْبَحُ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَقَالُوا لَهُ: هَذَا تَرْكٌ لِلدِّينِ.

وَصَدَقُوا وَاللَّهِ، يَقُولُ لِلْمُؤَذِّنِ فِي تَشَهُّدِهِ: طَعَنَهُ. وَسْمُ الْمَوْتِ. وَيُلَبِّي نُبَاحَ الْكَلْبِ؟

فَقَالَ: أَمَّا ذَاكَ فَكَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَنْ رَأْسِ الْغَفْلَةِ. وَأَمَّا الْكَلْبُ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] .

فَيَالِلَّهِ! ! مَاذَا تَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَاجِهُ هَذَا الْقَائِلِ لَوْ رَآهُ يَقُولُ ذَلِكَ، أَوْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَوْ مَنْ عَدَّ ذَلِكَ فِي الْمَنَاقِبِ وَالْمَحَاسِنِ؟ ! .

وَسَمِعَ الشِّبْلِيُّ رَجُلًا يَقُولُ: جَلَّ اللَّهُ. فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ تُجِلَّهُ عَنْ هَذَا.

وَأَذَّنَ مَرَّةً. فَلَمَّا بَلَغَ الشَّهَادَتَيْنِ، قَالَ: لَوْلَا أَنَّكَ أَمَرْتَنِي مَا ذَكَرْتُ مَعَكَ غَيْرَكَ. وَقَالَ بَعْضُ الْجُهَّالِ مِنَ الْقَوْمِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ أَصْلِ الْقَلْبِ، وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ الْقُرْطِ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، مِنْ تَمَامِ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَالْكَلِمَتَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ أَصْلِ الْقَلْبِ، مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ. لَا تَتِمُّ إِحْدَاهُمَا إِلَّا بِالْأُخْرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>