مَعْلُولَةٌ وَلَا بُدَّ. فَتَأَمَّلْهَا وَحَقِّقِ النَّظَرَ فِيهَا.
فَلْيَتَأَمَّلِ السَّالِكُ اللَّبِيبُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، الَّذِي زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامُ كَثِيرٍ مِنَ السَّالِكِينَ. وَاللَّهُ الْهَادِي وَالْمُوَفِّقُ الْمُثَبِّتُ.
كَمَا حُكِيَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ مَشْهُورِي الصُّوفِيَّةِ، أَنَّهُ قَالَ: لَا أَسْتَرِيحُ حَتَّى لَا أَرَى مَنْ يَذْكُرُ اللَّهَ. يَعْنِي غَيْرَةً عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْغَفْلَةِ وَذِكْرِهِمْ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا يُعَدُّ مِنْ مَنَاقِبِهِ وَمَحَاسِنِهِ.
وَغَايَةُ هَذَا: أَنْ يُعْذَرَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ. وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ الشَّطَحَاتِ. وَذِكْرُ اللَّهِ عَلَى الْغَفْلَةِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ خَيْرٌ مِنْ نِسْيَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالْأَلْسُنُ مَتَى تَرَكَتْ ذِكْرَ اللَّهِ - الَّذِي هُوَ مَحْبُوبُهَا - اشْتَغَلَتْ بِذِكْرِ مَا يُبْغِضُهُ وَيَمْقُتُ عَلَيْهِ. فَأَيُّ رَاحَةٍ لِلْعَارِفِ فِي هَذَا؟ وَهَلْ هُوَ إِلَّا أَشَقُّ عَلَيْهِ، وَأَكْرَهُ إِلَيْهِ؟
وَقَوْلٌ آخَرُ: لَا أُحِبُّ أَنْ أَرَى اللَّهَ وَلَا أَنْظُرَ إِلَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ؟ قَالَ: غَيْرَةً عَلَيْهِ مِنْ نَظَرِ مِثْلِي.
فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْغَيْرَةِ الْقَبِيحَةِ، الدَّالَّةِ عَلَى جَهْلِ صَاحِبِهَا، مَعَ أَنَّهُ فِي خِفَارَةِ ذُلِّهِ وَتَوَاضُعِهِ وَانْكِسَارِهِ وَاحْتِقَارِهِ لِنَفْسِهِ.
وَمِنْ هَذَا مَا يُحْكَى عَنِ الشِّبْلِيِّ: أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَنَوَّرَ لِحْيَتَهُ، حَتَّى أَذْهَبَ شَعْرَهَا كُلَّهُ. فَكُلُّ مَنْ أَتَاهُ مُعَزِّيًا، قَالَ: إِيشْ هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: وَافَقْتُ أَهْلِي فِي قَطْعِ شُعُورِهِمْ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَخْبِرْنِي لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهُمْ يُعَزُّونَنِي عَلَى الْغَفْلَةِ وَيَقُولُونَ: آجَرَكَ اللَّهُ. فَفَدَيْتُ ذِكْرَهُمْ لِلَّهِ عَلَى الْغَفْلَةِ بِلِحْيَتِي.
فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْغَيْرَةِ الْمُحَرَّمَةِ الْقَبِيحَةِ، الَّتِي تَضَمَّنَتْ أَنْوَاعًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ: حَلْقِ الشِّعْرِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute