للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى تَرْكِهِ.

فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِنْكَارُ مِنْ رَعُونَاتِ النُّفُوسِ، وَهُوَ مَقْصُودُ الشَّرِيعَةِ؟

وَهَلِ الْجِهَادُ إِلَّا عَلَى أَنْوَاعِ الْإِنْكَارِ. وَهُوَ جِهَادٌ بِالْيَدِ، وَجِهَادُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنْكَارٌ بِاللِّسَانِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْمُشَاهِدَ: أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ مِنَ الْخَلَائِقِ: مَا هُمْ عَلَيْهِ.

فَيُقَالُ لَهُ: الرَّبُّ تَعَالَى لَهُ مَرَادَانِ: كَوْنِيٌّ، وَدِينِيٌّ. فَهَبْ أَنَّ مُرَادَهُ الْكَوْنِيَّ مِنْهُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ. فَمُرَادُهُ الدِّينِيُّ الْأَمْرِيُّ الشَّرْعِيُّ: هُوَ الْإِنْكَارُ عَلَى أَصْحَابِ الْمُرَادِ الْكَوْنِيِّ. فَإِذَا عَطَّلْتَ مُرَادَهُ الدِّينِيَّ: لَمْ تَكُنْ وَاقِفًا مَعَ مُرَادِهِ الدِّينِيِّ، الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ. وَلَا يَنْفَعُكَ وُقُوفُكَ مَعَ مُرَادِهِ الْكَوْنِيِّ الَّذِي قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ. إِذْ لَوْ نَفَعَكَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلشَّرَائِعِ مَعْنًى أَلْبَتَّةَ. وَلَا لِلْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ، وَلَا لِلْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَلَا لِلْأَخْذِ عَلَى أَيْدِي الظَّلَمَةِ وَالْفُجَّارِ، وَكَفِّ عُدْوَانِهِمْ وَفُجُورِهِمْ. فَإِنَّ الْعَارِفَ عِنْدَكَ: يَشْهَدُ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ مِنْهُمْ: هُوَ ذَلِكَ. وَفِي هَذَا فَسَادُ الدُّنْيَا قَبْلَ الْأَدْيَانِ.

فَهَذَا الْمَذْهَبُ الْخَبِيثُ لَا يُصْلُحُ عَلَيْهِ دُنْيَا وَلَا دِينٌ، وَلَكِنَّهُ رُعُونَةُ نَفْسٍ قَدْ أَخْلَدَتْ إِلَى الْإِلْحَادِ، وَكَفَرَتْ بِدِينِ رَبِّ الْعِبَادِ. وَاتَّخَذَتْ تَعْطِيلَ الشَّرَائِعِ دِينًا وَمَقَامًا، وَوَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ مُسَامَرَةً وَإِلْهَامًا. وَجَعَلَتْ أَقْدَارَ الرَّبِّ تَعَالَى مُبْطِلَةً لِمَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ. وَمُعَطِّلَةً لِمَا أَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ. وَجَعَلُوا هَذَا الْإِلْحَادَ غَايَةَ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ، وَأَشْرَفَ الْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ. وَدَعَوْا إِلَى ذَلِكَ النُّفُوسَ الْمُبَطِلَةِ الْجَاهِلَةِ بِاللَّهِ وَدِينِهِ. فَلَبَّوْا دَعْوَتَهُمْ مُسْرِعِينَ، وَاسْتَخَفَّ الدَّاعِي مِنْهُمْ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ. إِنَّهُمْ كَانُوا قُوْمًا فَاسِقِينَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْإِنْكَارَ: مِنْ مُعَارَضَاتِ النُّفُوسِ الْمَحْجُوبَةِ.

فَلَعَمْرُ اللَّهِ: إِنَّهُمْ لَفِي حِجَابٍ مَنِيعٍ مِنْ هَذَا الْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ. وَلَكِنَّهُمْ يُشْرِفُونَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، وَفِي كُفْرِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ، وَلِأَتْبَاعِ الرُّسُلِ يُحَارِبُونَ، وَإِلَى خِلَافِ طَرِيقِهِمْ يَدْعُونَ. وَبِغَيْرِ هُدَاهُمْ يَهْتَدُونَ. وَعَنْ صِرَاطِهِمُ الْمُسْتَقِيمِ نَاكِبُونَ. وَلِمَا جَاءَا بِهِ يُعَارِضُونَ {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ - فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ - وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ - أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ - وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ - وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ - اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: ٩ - ١٦] .

فَصْلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>