الْمُعَارَضَتَيْنِ. وَهَذَا هُوَ الْقَلْبُ السَّلِيمُ الَّذِي لَا يُفْلِحُ إِلَّا مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِهِ. هَذَا تَفْسِيرُ أَهْلِ الْحَقِّ وَالِاسْتِقَامَةِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْإِلْحَادِ، فَقَالُوا: الْمُرَادُ بِالْمُعَارَضَاتِ هَاهُنَا: الْإِنْكَارُ عَلَى الْخَلْقِ فِيمَا يَبْدُو مِنْهُمْ مِنْ أَحْكَامِ الْبَشَرِيَّةِ. لِأَنَّ الْمُشَاهِدَ لِعَيْنِ الْجَمْعِ يَعْلَمُ: أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ مِنَ الْخَلْقِ مَا هُمْ عَلَيْهِ. فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ بِحَقِيقَةِ الشُّهُودِ: كَانَتِ الْمُعَارَضَاتُ وَالْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ مِنْ رَعُونَاتِ الْأَنْفُسِ الْمَحْجُوبَةِ.
وَقَالَ قُدْوَتُهُمْ فِي ذَلِكَ: الْعَارِفُ لَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، لِاسْتِبْصَارِهِ بِسِرِّ اللَّهِ فِي الْقَدَرِ.
وَهَذَا عَيْنُ الِاتِّحَادِ وَالْإِلْحَادِ وَالِانْسِلَاخِ مِنَ الدِّينِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ مِنْ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ الْمُلْحِدُ يُحَمِّلُ كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ. فَمَا الظَّنُّ بِكَلَامِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ؟
فَيُقَالُ: إِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْخَلْقِ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الْبَشَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا. فَبِهَذَا أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ، وَأُنْزِلَتِ الْكُتُبُ، وَانْقَسَمَتِ الدَّارُ إِلَى دَارِ سَعَادَةٍ لِلْمُنْكِرِينَ، وَدَارِ شَقَاوَةٍ لِلْمُنْكَرِ عَلَيْهِمْ. فَالطَّعْنُ فِي ذَلِكَ: طَعْنٌ فِي الرُّسُلِ وَالْكُتُبِ. وَالتَّخَلُّصُ مِنْ ذَلِكَ: انْحِلَالٌ مِنْ رِبْقَةِ الدِّينِ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الرُّسُلِ مَعَ أُمَمِهِمْ: وَجَدَهُمْ كَانُوا قَائِمِينَ بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الْقِيَامِ. حَتَّى لَقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَأَوْصَوْا مَنْ آمَنَ بِهِمْ بِالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ الْمُتَخَلِّصَ مِنْ مَقَامَاتِ الْإِنْكَارِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ مَعَهُ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ.
وَبَالَغَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَشَدَّ الْمُبَالَغَةِ، حَتَّى قَالَ «إِنَّ النَّاسَ إِذَا تَرَكُوهُ: أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِنْدِهِ» .
وَأَخْبَرَ أَنَّ تَرْكَهُ: يُوقِعُ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالْوُجُوهِ. وَيُحِلُّ لَعْنَةَ اللَّهِ. كَمَا لَعَنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute