وَقَالَ الْجُنَيْدُ: عِلْمُنَا هَذَا مُتَشَبِّكٌ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: إِنَّهُ لَتَمُرُّ بِقَلْبِي النُّكْتَةُ مِنْ نُكَتِ الْقَوْمِ. فَلَا أَقْبَلُهَا إِلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ، مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَالَ النَّصْرَابَادِيُّ: أَصْلُ هَذَا الْمَذْهَبِ: مُلَازَمَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَتَرْكُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، وَالِاقْتِدَاءُ بِالسَّلَفِ، وَتَرْكُ مَا أَحْدَثَهُ الْآخَرُونَ. وَالْإِقَامَةُ عَلَى مَا سَلَكَهُ الْأَوَّلُونَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِ ذَلِكَ.
فَهَذَا الْعِلْمُ الصَّافِي، الْمُتَلَقَّى مِنْ مِشْكَاةِ الْوَحْيِ وَالنُّبُوَّةِ: يُهَذِّبُ صَاحِبَهُ لِسُلُوكِ طَرِيقِ الْعُبُودِيَّةِ. وَحَقِيقَتُهَا: التَّأَدُّبُ بِآدَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاطِنًا وَظَاهِرًا. وَتَحْكِيمُهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا. وَالْوُقُوفُ مَعَهُ حَيْثُ وَقَفَ بِكَ. وَالْمَسِيرُ مَعَهُ حَيْثُ سَارَ بِكَ. بِحَيْثُ تَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ شَيْخِكَ الَّذِي قَدْ أَلْقَيْتَ إِلَيْهِ أَمْرَكَ كُلَّهُ سِرَّهُ وَظَاهِرَهُ، وَاقْتَدَيْتَ بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكَ. وَوَقَفْتَ مَعَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ. فَلَا تُخَالِفُهُ أَلْبَتَّةَ. فَتَجْعَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَ شَيْخًا، وَإِمَامًا وَقُدْوَةً وَحَاكِمًا، وَتُعَلِّقُ قَلْبَكَ بِقَلْبِهِ الْكَرِيمِ، وَرُوحَانِيَّتَكَ بِرُوحَانِيَّتِهِ، كَمَا يُعَلِّقُ الْمُرِيدُ رُوحَانِيَّتَهُ بِرُوحَانِيَّةِ شَيْخِهِ. فَتُجِيبُهُ إِذَا دَعَاكَ. وَتَقِفُ مَعَهُ إِذَا اسْتَوْقَفَكَ. وَتَسِيرُ إِذَا سَارَ بِكَ. وَتُقِيلُ إِذَا قَالَ، وَتَنْزِلُ إِذَا نَزَلَ. وَتَغْضَبُ لِغَضَبِهِ. وَتَرْضَى لِرِضَاهُ. وَإِذَا أَخْبَرَكَ عَنْ شَيْءٍ أَنْزَلْتَهُ مَنْزِلَةَ مَا تَرَاهُ بِعَيْنِكَ. وَإِذَا أَخْبَرَكَ عَنِ اللَّهِ بِخَبَرٍ أَنْزَلْتَهُ مَنْزِلَةَ مَا تَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ بِأُذُنِكَ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَتَجْعَلُ الرَّسُولَ شَيْخَكَ وَأُسْتَاذَكَ، وَمُعَلِّمَكَ وَمُرَبِّيكَ وَمُؤَدِّبَكَ. وَتَسْقُطُ الْوَسَائِطَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِلَّا فِي التَّبْلِيغِ. كَمَا تَسْقُطُ الْوَسَائِلُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمُرْسَلِ فِي الْعُبُودِيَّةِ. وَلَا تَثْبُتُ وَسَاطَةٌ إِلَّا فِي وُصُولِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَرِسَالَتِهِ إِلَيْكَ.
وَهَذَانَ التَّجْرِيدَانِ: هُمَا حَقِيقَةُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَاللَّهُ وَحْدَهُ هُوَ الْمَعْبُودُ الْمَأْلُوهُ، الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ سِوَاهُ، وَرَسُولُهُ: الْمُطَاعُ الْمُتَّبَعُ، الْمُهْتَدَى بِهِ، الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ الطَّاعَةَ سِوَاهُ. وَمَنْ سِوَاهُ: فَإِنَّمَا يُطَاعُ إِذَا أَمَرَ الرَّسُولُ بِطَاعَتِهِ. فَيُطَاعُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَالطَّرِيقُ مَسْدُودَةٌ إِلَّا عَلَى مَنِ اقْتَفَى آثَارَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاقْتَدَى بِهِ فِي ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ.
فَلَا يَتَعَنَّى السَّالِكُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ. فَلَيْسَ حَظُّهُ مِنْ سُلُوكِهِ إِلَّا التَّعَبَ، وَأَعْمَالُهُ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: ٣٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute