الشَّجَرَ حَتَّى تَلْقَى رَبَّهَا» ".
وَاحَسْرَتَاهْ تَقَضَّى الْعُمُرُ وَانْصَرَمَتْ ... سَاعَاتُهُ بَيْنَ ذُلِّ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ
وَالْقَوْمُ قَدْ أَخَذُوا دَرْبَ النَّجَاةِ وَقَدْ ... سَارُوا إِلَى الْمَطْلَبِ الْأَعْلَى عَلَى مَهْلِ
وَالْعَلَامَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: " وَلَمْ يُشَرْ إِلَيْهِمْ بِالْأَصَابِعِ " يُرِيدُ: أَنَّهُمْ لِخَفَائِهِمْ عَنِ النَّاسِ لَمْ يُعَرَفُوا بَيْنَهُمْ، حَتَّى يُشِيرُوا إِلَيْهِمْ بِالْأَصَابِعِ، وَفِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ عَامِلٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ. فَإِنْ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوا لَهُ. وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فَلَا تَعُدُّوهُ شَيْئًا» . فَسُئِلَ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ مَعْنَى: " أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ " فَقَالَ: هُوَ الْمُبْتَدِعُ فِي دِينِهِ، الْفَاجِرُ فِي دُنْيَاهُ.
وَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ، فَإِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يُشِيرُونَ بِالْأَصَابِعِ إِلَى مَنْ يَأْتِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَبَعْضُهُمْ يَعْرِفُهُ وَبَعْضُهُمْ لَا يَعْرِفُهُ، فَإِذَا مَرَّ: أَشَارَ مَنْ يَعْرِفُهُ إِلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ: هَذَا فُلَانٌ، وَهَذَا قَدْ يَكُونُ ذَمًّا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَدْحًا، فَمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِاجْتِهَادٍ وَعِبَادَةٍ وَزُهْدٍ وَانْقِطَاعٍ عَنِ الْخَلْقِ، ثُمَّ انْحَطَّ عَنْ ذَلِكَ، وَعَادَ إِلَى حَالِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ: فَإِذَا مَرَّ بِالنَّاسِ أَشَارُوا إِلَيْهِ، وَقَالُوا: هَذَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ فُتِنَ وَانْقَلَبَ، فَهَذَا الَّذِي قَالَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ: " فَلَا تَعُدُّوهُ شَيْئًا " لِأَنَّهُ انْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَرَجَعَ بَعْدَ الشِّرَّةِ إِلَى أَسْوَأِ فَتْرَةٍ.
وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مُنْهَمِكًا فِي الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا، ثُمَّ يُوقِظُهُ اللَّهُ لِآخِرَتِهِ، فَيَتْرُكُ مَا هُوَ فِيهِ، وَيُقْبِلُ عَلَى شَأْنِهِ. فَإِذَا مَرَّ أَشَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، وَقَالُوا: هَذَا كَانَ مَفْتُونًا. ثُمَّ تَدَارَكَهُ اللَّهُ. فَهَذَا كَانَتْ شِرَّتُهُ فِي الْمَعَاصِي. ثُمَّ صَارَتْ فِي الطَّاعَاتِ. وَالْأَوَّلُ: كَانَتْ شِرَّتُهُ فِي الطَّاعَاتِ. ثُمَّ فَتَرَتْ وَعَادَتْ إِلَى الْبِدْعَةِ وَالْفُجُورِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ إِلَى الرَّجُلِ: عَلَامَةُ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَمَوْرِدُ هَلَاكِهِ وَنَجَاتِهِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute