فَأَحْسَنُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّيْخِ " وَلَمْ يَقِفُوا مَعَ رَسْمٍ ": أَنَّهُمْ لَمْ يَنْقَطِعُوا بِشَيْءٍ سِوَى اللَّهِ عَنْهُ، فَكُلُّ مَا قُطِعَ عَنِ اللَّهِ لَمْ يَقِفُوا مَعَهُ، وَمَا أَوْصَلَهُمْ إِلَى اللَّهِ لَمْ يُفَارِقُوهُ، وَكَانَ وُقُوفُهُمْ مَعَهُ.
وَقَدْ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: " لَمْ يُوقَفْ لَهُمْ عَلَى رَسْمٍ " أَنَّهُمْ لِعُلُوِّ هِمَمِهِمْ سَبَقُوا النَّاسَ فِي السَّيْرِ، فَلَمْ يَقِفُوا مَعَهُمْ، فَهُمُ الْمُفَرِّدُونَ السَّابِقُونَ، فَلِسَبْقِهِمْ لَمْ يُوقَفْ لَهُمْ عَلَى أَثَرٍ فِي الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُتَأَخِّرُ عَنْهُمْ أَيْنَ سَلَكُوا؟ وَالْمُشَمِّرُ بَعْدَهُمْ: قَدْ يَرَى آثَارَ نِيرَانِهِمْ عَلَى بُعْدٍ عَظِيمٍ، كَمَا يَرَى الْكَوْكَبَ، وَيَسْتَخْبِرُ مِمَّنْ رَآهُمْ: أَيْنَ رَآهُمْ؟ فَحَالُهُ كَمَا قِيلَ:
أُسَائِلُ عَنْكُمْ كُلَّ غَادٍ وَرَائِحٍ ... وَأُومِي إِلَى أَوْطَانِكُمْ وَأُسَلِّمُ
الْعَلَامَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ " وَلَمْ يُنْسَبُوا إِلَى اسْمٍ " أَيْ: لَمْ يَشْتَهِرُوا بِاسْمٍ يُعْرَفُونَ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي صَارَتْ أَعْلَامًا لِأَهْلِ الطَّرِيقِ.
وَأَيْضًا، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَقَيَّدُوا بِعَمَلٍ وَاحِدٍ يَجْرِي عَلَيْهِمُ اسْمُهُ، فَيُعْرَفُونَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ. فَإِنَّ هَذَا آفَةٌ فِي الْعُبُودِيَّةِ. وَهِيَ عُبُودِيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ، وَأَمَّا الْعُبُودِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ: فَلَا يُعْرَفُ صَاحِبُهَا بَاسِمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَعَانِي أَسْمَائِهَا، فَإِنَّهُ مُجِيبٌ لِدَاعِيهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، فَلَهُ مَعَ كُلِّ أَهْلِ عُبُودِيَّةٍ نَصِيبٌ يَضْرِبُ مَعَهُمْ بِسَهْمٍ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِرَسْمٍ وَلَا إِشَارَةٍ، وَلَا اسْمٍ وَلَا بِزِيٍّ، وَلَا طَرِيقٍ وَضْعِيٍّ اصْطِلَاحِيٍّ، بَلْ إِنْ سُئِلَ عَنْ شَيْخِهِ؟ قَالَ: الرَّسُولُ. وَعَنْ طَرِيقِهِ؟ قَالَ: الِاتِّبَاعُ. وَعَنْ خِرْقَتِهِ؟ قَالَ: لِبَاسُ التَّقْوَى. وَعَنْ مَذْهَبِهِ؟ قَالَ: تَحْكِيمُ السُّنَّةِ. وَعَنْ مَقْصُودِهِ وَمَطْلَبِهِ؟ قَالَ: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: ٥٢] وَعَنْ رِبَاطِهِ وَعَنْ خَانَكَاهْ؟ قَالَ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: ٣٦] . وَعَنْ نَسَبِهِ؟ قَالَ:
أَبِي الْإِسْلَامُ لَا أَبَ لِي سِوَاهُ ... إِذَا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أَوْ تَمِيمِ
وَعَنْ مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ؟ قَالَ: " «مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute