للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَسَّنُوا لَهَا الْعِبَارَةَ، فَتِلْكَ مِنْ بَقَايَا النُّفُوسِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.

الثَّانِي: أَنْ لَا يُجِيبَ عَلَى الطَّرِيقِ دَاعِيَ الْبَطَالَةِ وَالْوُقُوفِ وَالدَّعَةِ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِي سُلُوكِهِ نَاظِرًا إِلَى الْمَقْصُودِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.

فَبِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَصِحُّ السُّلُوكُ، وَالْعِبَارَةُ الْجَامِعَةُ لَهَا: أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا لِوَاحِدٍ، فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَنْقَسِمُ طَلَبُهُ وَلَا مَطْلُوبُهُ، وَلَا يَتْلَوَّنُ مَطْلُوبُهُ.

وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ السَّلْبِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا. فَأَوُّلُهَا: قَوْلُهُ: وَلَمْ يُوقَفْ لَهُمْ عَلَى رَسْمٍ.

يُرِيدُ: أَنَّهُمُ انْمَحَتْ رُسُومُهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا مَا يَقِفُ عَلَيْهِ وَاقِفٌ.

وَهَذَا كَلَامٌ يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ، فَإِنَّ الرَّسْمَ الظَّاهِرَ الْمُعَايَنَ لَا يُمْحَى مَا دَامَ فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَلَا يَرَوْنَ مَحْوَ هَذَا الرَّسْمِ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيمَا يُعَبَّرُ بِالرَّسْمِ عَنْهُ.

فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: الرَّسْمُ مَا سِوَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ، وَمَحْوُهُ هُوَ ذَهَابُ الْوُقُوفِ مَعَهُ وَالنَّظَرِ إِلَيْهِ وَالرِّضَا بِهِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِ.

وَمِنْهُمْ: مَنْ يُرِيدُ بِالرَّسْمِ: الظَّوَاهِرَ وَالْعَلَامَاتِ.

وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى وَضْعِ اللُّغَةِ، فَإِنَّ رَسْمَ الدَّارِ هُوَ الْأَثَرُ الْبَاقِي مِنْهَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا يُسَمُّونَ الْفُقَهَاءَ وَأَهْلَ الْأَثَرِ وَنَحْوَهُمْ عُلَمَاءُ الرُّسُومِ؛ لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُمْ لَمْ يَصِلُوا إِلَى الْحَقَائِقِ، اشْتَغَلُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا بِالظَّوَاهِرِ وَالْأَدِلَّةِ.

فَهَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا لَا رَسْمَ لَهُمْ يَقِفُونَ عِنْدَهُ، بَلِ اشْتَغَلُوا بِالْحَقَائِقِ وَالْمَعَانِي عَنِ الرُّسُومِ وَالظَّوَاهِرِ.

وَلِلْمُلْحِدِ هَاهُنَا مَجَالٌ؛ إِذْ عِنْدَهُ أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَالْأَوَامِرَ وَالْأَوْرَادَ كُلَّهَا رُسُومٌ، وَأَنَّ الْعِبَادَ وَقَفُوا عَلَى الرُّسُومِ، وَوَقَفُوا هُمْ عَلَى الْحَقَائِقِ.

وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّهَا لَرُسُومٌ إِلَهِيَّةٌ أَتَتْ عَلَى أَيْدِي رُسُلِهِ، وَرَسَمَ لَهُمْ أَنْ لَا يَتَعَدَّوْهَا، وَلَا يُقَصِّرُوا عَنْهَا، فَالرُّسُلُ قَعَدُوا عَلَى هَذِهِ الرُّسُومِ يَدْعُونَ الْخَلْقَ إِلَيْهَا، وَيَمْنَعُونَهُمْ مِنْ تَجَاوُزِهَا، لِيَصِلُوا إِلَى حَقَائِقِهَا وَمَقَاصِدِهَا، فَعَطَّلَ الْمَلَاحِدَةُ تِلْكَ الرُّسُومَ، وَقَالُوا إِنَّمَا الْمُرَادُ الْحَقَائِقُ، فَفَاتَتْهُمُ الرُّسُومُ وَالْحَقَائِقُ مَعًا. وَوَصَلُوا؛ وَلَكِنْ إِلَى الْحَقَائِقِ الْإِلْحَادِيَّةِ الْكُفْرِيَّةِ {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران: ٢٤] . {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ٤٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>