للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفَرُّقٌ، غَيْرَ أَنَّ الْغَيْنَ رُبَّمَا شَابَ مَقَامَهُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغًا لَا يَلْفِتُهُ قَاطِعٌ، وَلَا يَلْوِيهِ سَبَبٌ، وَلَا يَقْتَطِعُهُ حَظٌّ، وَهِيَ دَرَجَةُ الْقَاصِدِ، فَإِذَا اسْتَدَامَتْ فَهِيَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ.

الْمُكَاشَفَةُ الصَّحِيحَةُ: عُلُومٌ يُحْدِثُهَا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، وَيُطْلِعُهُ بِهَا عَلَى أُمُورٍ تَخْفَى عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ يُوَالِيهَا وَقَدْ يُمْسِكُهَا عَنْهُ بِالْغَفْلَةِ عَنْهَا، وَيُوَارِيهَا عَنْهُ بِالْغَيْنِ الَّذِي يَغْشَى قَلْبَهُ، وَهُوَ أَرَقُّ الْحُجُبِ، أَوْ بِالْغَيْمِ، وَهُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ أَوْ بِالرَّانِ، وَهُوَ أَشَدُّهَا.

فَالْأَوَّلُ: يَقَعُ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» .

وَالثَّانِي: يَكُونُ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالثَّالِثُ: لِمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ الذَّنْبُ بَعْدَ الذَّنْبِ يُغَطِّي الْقَلْبَ حَتَّى يَصِيرَ كَالرَّانِ عَلَيْهِ.

وَالْحُجُبُ عَشَرَةُ الْأَوَّلُ: حِجَابُ التَّعْطِيلِ، وَنَفْيُ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَهُوَ أَغْلَظُهَا، فَلَا يَتَهَيَّأُ لِصَاحِبِ هَذَا الْحِجَابِ أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ، وَلَا يَصِلَ إِلَيْهِ أَلْبَتَّةَ إِلَّا كَمَا يَتَهَيَّأُ لِلْحَجَرِ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى فَوْقَ.

الثَّانِي: حِجَابُ الشِّرْكِ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَبَّدَ قَلْبُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ.

الثَّالِثُ: حِجَابُ الْبِدْعَةِ الْقَوْلِيَّةِ، كَحِجَابِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَالْمَقَالَاتِ الْفَاسِدَةِ عَلَى اخْتِلَافِهَا.

الرَّابِعُ: حِجَابُ الْبِدْعَةِ الْعَمَلِيَّةِ، كَحِجَابِ أَهْلِ السُّلُوكِ الْمُبْتَدِعِينَ فِي طَرِيقِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ.

الْخَامِسُ: حِجَابُ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الْبَاطِنَةِ، كَحِجَابِ أَهْلِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ، وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَنَحْوِهَا.

السَّادِسُ: حِجَابُ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ، وَحِجَابُهُمْ أَرَقُّ مِنْ حِجَابِ إِخْوَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الْبَاطِنَةِ، مَعَ كَثْرَةِ عِبَادَاتِهِمْ وَزَهَادَاتِهِمْ وَاجْتِهَادَاتِهِمْ، فَكَبَائِرُ هَؤُلَاءِ أَقْرَبُ إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ كَبَائِرِ أُولَئِكَ، فَإِنَّهَا قَدْ صَارَتْ مَقَامَاتٍ لَهُمْ لَا يَتَحَاشَوْنَ مِنْ إِظْهَارِهَا وَإِخْرَاجِهَا فِي قَوَالِبَ عِبَادَةٍ وَمَعْرِفَةٍ، فَأَهْلُ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ أَدْنَى إِلَى السَّلَامَةِ مِنْهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>