للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَرَاهُمْ شَاهِدُ الْإِيمَانِ، وَهُمْ إِلَيْهَا يُدْفَعُونَ، وَأَتَى النِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: ٢٤] ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ - أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ - اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: ١٤ - ١٦] فَيَرَاهُمْ شَاهِدُ الْإِيمَانِ، وَهُمْ فِي الْحَمِيمِ عَلَى وُجُوهِهِمْ يُسْحَبُونَ، وَفِي النَّارِ كَالْحَطَبِ يُسْجَرُونَ {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: ٤١] فَبِئْسَ اللِّحَافُ وَبِئْسَ الْفِرَاشُ، وَإِنِ اسْتَغَاثُوا مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف: ٢٩] فَإِذَا شَرِبُوهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ فِي أَجْوَافِهِمْ، وَصَهَرَ مَا فِي بُطُونِهِمْ، شَرَابُهُمُ الْحَمِيمُ، وَطَعَامُهُمُ الزَّقُّومُ {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ - وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: ٣٦ - ٣٧] .

فَإِذَا قَامَ بِقَلْبِ الْعَبْدِ هَذَا الشَّاهِدُ: انْخَلَعَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَلَبِسَ ثِيَابَ الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ، وَأَخْصَبَ قَلْبَهُ مِنْ مَطَرِ أَجْفَانِهِ، وَهَانَ عَلَيْهِ كُلُّ مُصِيبَةٍ تُصِيبُهُ فِي غَيْرِ دِينِهِ وَقَلْبِهِ.

وَعَلَى حَسْبِ قُوَّةِ هَذَا الشَّاهِدِ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ، فَيُذِيبُ هَذَا الشَّاهِدُ مِنْ قَلْبِهِ الْفَضَلَاتِ، وَالْمَوَادَّ الْمُهْلِكَةَ، وَيُنْضِجُهَا ثُمَّ يُخْرِجُهَا، فَيَجِدُ الْقَلْبُ لَذَّةَ الْعَافِيَةِ وَسُرُورِهَا.

فَيَقُومُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: شَاهِدٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَضْلًا عَمَّا وَصَفَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُفَصَّلِ، الْكَفِيلِ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ اللَّذَّةِ، مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَالْمَلَابِسِ وَالصُّوَرِ، وَالْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَقُومُ بِقَلْبِهِ شَاهِدُ دَارٍ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الدَّائِمَ بِحَذَافِيرِهِ فِيهَا، تُرْبَتُهَا الْمِسْكُ، وَحَصْبَاؤُهَا الدُّرُّ، وَبِنَاؤُهَا لَبِنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَصَبُ اللُّؤْلُؤِ، وَشَرَابُهَا أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ، وَأَبْرَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>