للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْكَافُورِ، وَأَلَذُّ مِنَ الزَّنْجَبِيلِ، وَنِسَاؤُهَا لَوْ بَرَزَ وَجْهُ إِحْدَاهُنَّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَغَلَبَ عَلَى ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَلِبَاسُهُمُ الْحَرِيرُ مِنَ السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ، وَخَدَمُهُمْ وِلْدَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ الْمَنْثُورِ، وَفَاكِهَتُهُمْ دَائِمَةٌ، لَا مَقْطُوعَةٌ وَلَا مَمْنُوعَةٌ، وَفُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ، وَغِذَاؤُهُمْ لَحْمُ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، وَشَرَابُهُمْ عَلَيْهِ خَمْرَةٌ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزِفُونَ، وَخُضْرَتُهُمْ فَاكِهَةٌ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ، وَشَاهِدُهُمْ حُورُ عِينٍ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ، فَهُمْ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ، وَفِي تِلْكَ الرِّيَاضِ يُحْبَرُونَ، وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ، وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى هَذَا الشَّاهِدِ: شَاهِدُ يَوْمِ الْمَزِيدِ، وَالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَسَمَاعِ كَلَامِهِ مِنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَيْنَمَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ، إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، فَإِذَا الرَّبُّ تَعَالَى قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: ٥٨] ثُمَّ يَتَوَارَى عَنْهُمْ، وَتَبْقَى رَحْمَتُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ» .

فَإِذَا انْضَمَّ هَذَا الشَّاهِدُ إِلَى الشَّوَاهِدِ الَّتِي قَبْلَهُ: فَهُنَاكَ يَسِيرُ الْقَلْبُ إِلَى رَبِّهِ أَسْرَعَ مِنْ سَيْرِ الرِّيَاحِ فِي مَهَابِّهَا، فَلَا يَلْتَفِتُ فِي طَرِيقِهِ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا.

هَذَا وَفَوْقَ ذَلِكَ: شَاهِدٌ آخَرُ تَضْمَحِلُّ فِيهِ هَذِهِ الشَّوَاهِدُ، وَيَغِيبُ بِهِ الْعَبْدُ عَنْهَا كُلِّهَا، وَهُوَ شَاهِدُ جَلَالِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَجَمَالِهِ وَكَمَالِهِ، وَعِزِّهِ وَسُلْطَانِهِ، وَقَيُّومِيَّتِهِ وَعُلُوِّهِ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَتَكَلُّمِهِ بِكُتُبِهِ وَكَلِمَاتِ تَكْوِينِهِ، وَخِطَابِهِ لِمَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ.

فَإِذَا شَاهَدَهُ شَاهَدَ بِقَلْبِهِ قَيُّومًا قَاهِرًا فَوْقَ عِبَادِهِ، مُسْتَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ، مُنْفَرِدًا بِتَدْبِيرِ مَمْلَكَتِهِ، آمِرًا نَاهِيًا، مُرْسِلًا رُسُلَهُ، وَمُنْزِلًا كُتُبَهُ، يَرْضَى وَيَغْضَبُ، وَيُثِيبُ وَيُعَاقِبُ، وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ، وَيَرْحَمُ إِذَا اسْتُرْحِمَ، وَيَغْفِرُ إِذَا اسْتُغْفِرَ، وَيُعْطِي إِذَا سُئِلَ، وَيُجِيبُ إِذَا دُعِيَ، وَيُقِيلُ إِذَا اسْتُقِيلَ، أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَعَزُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَقْدَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَعْلَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَحْكَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَلَوْ كَانَتْ قُوَى الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ كَانُوا كُلُّهُمْ عَلَى تِلْكَ الْقُوَّةِ، ثُمَّ نُسِبَتْ تِلْكَ الْقُوَى إِلَى قُوَّةِ الْبَعُوضَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُوَّةِ الْأَسَدِ، وَلَوْ قُدِّرَ جَمَالُ الْخَلْقِ كُلُّهُمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ كَانُوا كُلُّهُمْ بِذَلِكَ الْجَمَالِ، ثُمَّ نُسِبَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ تَعَالَى لَكَانَ دُونَ سِرَاجٍ ضَعِيفٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَيْنِ الشَّمْسِ، وَلَوْ كَانَ عِلْمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ كَانَ كُلُّ الْخَلْقِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، ثُمَّ نُسِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>