للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفَاصِيلُهُ وَحُقُوقُهُ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَا سَعَادَةَ لِلنُّفُوسِ إِلَّا بِالْقِيَامِ بِهِ - عِلْمًا وَعَمَلًا، وَحَالًا - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَحْدَهُ أَحَبَّ إِلَى الْعَبْدِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَأَخَوَفَ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَأَرْجَى لَهُ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَيَعْبُدُهُ بِمَعَانِي الْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ بِمَا يُحِبُّهُ هُوَ وَيَرْضَاهُ، وَهُوَ مَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، لَا بِمَا يُرِيدُ الْعَبْدُ وَيَهْوَاهُ، وَتَلْخِيصُ ذَلِكَ فِي كَلِمَتَيْنِ " إِيَّاكَ أُرِيدُ بِمَا تُرِيدُ " فَالْأُولَى: تَوْحِيدٌ وَإِخْلَاصٌ، وَالثَّانِيَةُ: اتِّبَاعٌ لِلسُّنَّةِ وَتَحْكِيمٌ لِلْأَمْرِ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ غَايَتُهُ تَقْرِيرُ تَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ.

وَأَمَّا جَعْلُهُ مَا نَصَبَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَثَوَابِهِ، وَعِقَابِهِ تَلْبِيسًا، فَتَلْبِيسٌ مِنَ النَّفْسِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ - عِنْدَ الْعَارِفِينَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ - مِنَ التَّلْبِيسِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَظْهَرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَحِكْمَتِهِ، وَنِعْمَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ وَعَزَّتِهِ، إِذْ ظُهُورُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ، تَسْتَلْزِمُ مَحَالَّ وَتَعَلُّقَاتٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا، وَيَظْهَرُ فِيهَا آثَارُهَا، وَهَذَا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِلصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ، إِذِ الْعِلْمُ لَابُدَّ لَهُ مِنْ مَعْلُومٍ، وَصِفَةُ الْخَالِقِيَّةِ، وَالرَّازِقِيَّةِ، تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مَخْلُوقٍ وَمَرْزُوقٍ، وَكَذَلِكَ صِفَةُ الرَّحْمَةِ، وَالْإِحْسَانِ، وَالْحِلْمِ، وَالْعَفْوِ، وَالْمَغْفِرَةِ، وَالتَّجَاوُزِ - تَسْتَلْزِمُ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَعْلِيقُ الْأَحْكَامِ، وَالثَّوَابِ، وَالْعِقَابِ بِهَا تَلْبِيسًا؟ وَهَلْ ذَلِكَ مَحَالُّ تَتَعَلَّقُ بِهَا، وَيَظْهَرُ فِيهَا آثَارُهَا، فَالْأَسْبَابُ وَالْوَسَائِطُ، مَظْهَرُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، إِلَّا حِكْمَةً بَالِغَةً بَاهِرَةً، وَآيَاتٍ ظَاهِرَةً، وَشَوَاهِدَ نَاطِقَةً بِرُبُوبِيَّةِ مُنْشِئِهَا، وَكَمَالِهِ، وَثُبُوتِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ؟ فَإِنَّ الْكَوْنَ - كَمَا هُوَ مَحَلُّ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَمَظْهَرُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ - فَهُوَ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ شَوَاهِدُ وَأَدِلَّةٌ وَآيَاتٌ، دَعَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ إِلَى النَّظَرِ فِيهَا، وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ، وَالِاعْتِبَارِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ عَلَى عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ عَلَى عَدْلِهِ، وَأَنَّهُ يَغْضَبُ وَيَسْخَطُ، وَيَكْرَهُ وَيَمْقُتُ، وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْمَثُوبَاتِ وَالْإِكْرَامِ عَلَى أَنَّهُ يُحِبُّ، وَيَرْضَى وَيَفْرَحُ، فَالْكَوْنُ - بِجُمْلَةِ مَا فِيهِ - آيَاتٌ وَشَوَاهِدُ وَأَدِلَّةٌ، لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ مِنْهَا شَيْئًا تَلْبِيسًا، وَلَا وَسَّطَهُ عَبَثًا، وَلَا خَلَقَهُ سُدًى.

فَالْأَسْبَابُ وَالْوَسَائِطُ وَالْعِلَلُ مَحَلُّ ادِّكَارِ الْمُتَفَكِّرِينَ، وَاعْتِبَارِ النَّاظِرِينَ، وَمَعَارِفِ الْمُسْتَدِلِّينَ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: ٧٥] وَكَمْ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْحَثِّ عَلَى النَّظَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>