وَالِاعْتِبَارِ بِهَا، وَالتَّفَكُّرِ فِيهَا، وَذَمِّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا، وَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا وَالِاسْتِدْلَالَ، يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةَ بِصِدْقِ رُسُلِهِ؛ فَهُوَ آيَاتٌ كَوْنِيَّةٌ مُشَاهَدَةٌ تُصَدِّقُ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ؟ ! ! .
فَمَا عَلَّقَ بِهَا آثَارَهَا سُدًى، وَلَا رَتَّبَ عَلَيْهَا مُقْتَضَيَاتِهَا وَأَحْكَامَهَا بَاطِلًا، وَلَا جَعَلَ تَوْسِيطَهَا تَلْبِيسًا الْبَتَّةَ، بَلْ ذَلِكَ مُوجَبُ كَمَالِهِ وَكَمَالِ نُعُوتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَبِهَا عُرِفَتْ رُبُوبِيَّتُهُ وَإِلَهِيَّتُهُ، وَمُلْكُهُ وَصِفَاتُهُ وَأَسْمَاؤُهُ.
هَذَا وَلَمْ يَخْلُقْهَا سُبْحَانَهُ عَنْ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهَا، وَلَا تَوَقُّفًا لِكَمَالِهِ الْمُقَدَّسِ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَتَكَثَّرْ بِهَا مِنْ قِلَّةٍ، وَلَمْ يَتَعَزَّزْ بِهَا مِنْ ذِلَّةٍ، بَلِ اقْتَضَى كَمَالُهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ، وَيَأْمُرَ وَيَتَصَرَّفَ وَيُدَبِّرَ كَمَا يَشَاءُ، وَأَنْ يُحْمَدَ وَيُعْرَفَ، وَيُذْكَرَ وَيُعْبَدَ، وَيَعْرِفَ الْخَلْقُ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتَ جَلَالِهِ، وَلِذَلِكَ خَلَقَ خَلْقًا يَعْصُونَهُ وَيُخَالِفُونَ أَمْرَهُ، لِتَعْرِفَ مَلَائِكَتُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ وَرُسُلُهُ، وَأَوْلِيَاؤُهُ كَمَالَ مَغْفِرَتِهِ، وَعَفْوِهِ، وَحِلْمِهِ وَإِمْهَالِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِقُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ، فَظَهَرَ كَرَمُهُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَبِرِّهِ وَلُطْفِهِ فِي الْعَوْدِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ فَيُغْفَرُ لَهُمْ» فَلِمَنْ كَانَتْ تَكُونُ مَغْفِرَتُهُ لَوْ لَمْ يَخْلُقِ الْأَسْبَابَ الَّتِي يَعْفُو عَنْهَا وَيَغْفِرُهَا؟ وَالْعَبْدَ الَّذِي لَهُ يَغْفِرُ؟ فَخَلْقُ الْعَبْدِ الْمَغْفُورِ لَهُ، وَتَقْدِيرُ الذَّنْبِ الَّذِي يُغْفَرُ، وَالتَّوْبَةُ الَّتِي يَغْفِرُ بِهَا هُوَ نَفْسُ مُقْتَضَى الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ، وَمُوجَبُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتِ الْعُلَا - لَيْسَ مِنَ التَّلْبِيسِ فِي شَيْءٍ، فَتَعْلِيقُ الْكَوَائِنِ بِالْأَسْبَابِ كَتَعْلِيقِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ بِالْأَسْبَابِ، وَلِهَذَا سَوَّى صَاحِبُ الْمَنَازِلِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ مَحْضُ الْحِكْمَةِ وَمُوجَبُ الْكَمَالِ الْإِلَهِيِّ، وَمُقْتَضَى الْحَمْدِ التَّامِّ، وَمَظْهَرُ صِفَةِ الْعِزَّةِ، وَالْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ، وَالشَّرَائِعُ كُلُّهَا - مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا - مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ بِالْعِلَلِ، وَالْقَضَايَا بِالْحُجَجِ، وَالثَّوَابِ بِالطَّاعَةِ، وَالْعُقُوبَاتِ بِالْجَرَائِمِ، فَهَلْ يُقَالُ: إِنَّ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا تَلْبِيسٌ، بِأَيِّ مَعْنًى فُسِّرَ التَّلْبِيسُ؟
وَلَعَمْرُ اللَّهِ، لَقَدْ كَانَ فِي غُنْيَةٍ عَنْ هَذَا الْبَابِ، وَعَنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، وَلَقَدْ أَفْسَدَ الْكِتَابَ بِذَلِكَ.
هَذَا وَلَا يُجْهَلُ مَحَلُّ الرَّجُلِ مِنَ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ، وَطَرِيقِ السُّلُوكِ، وَآفَتِهِ وَعِلَلِهِ وَلَكِنْ قَصْدُهُ تَجْرِيدَ تَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ وَالرُّبُوبِيَّةِ قَادَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ اعْتِقَادُهُ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute