عِكْرِمَةُ: قَبْلَ الْمَوْتِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَبْلَ مُعَايَنَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ، وَالْكَلْبِيُّ: أَنْ يَتُوبَ فِي صِحَّتِهِ قَبْلَ مَرَضِ مَوْتِهِ، وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» وَفِي نُسْخَةِ دَرَّاجٍ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، فَقَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي» .
فَهَذَا شَأْنُ التَّائِبِ مِنْ قَرِيبٍ، وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ فِي السِّيَاقِ فَقَالَ: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَوْبَةُ اضْطِرَارٍ لَا اخْتِيَارٍ، فَهِيَ كَالتَّوْبَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعِنْدَ مُعَايَنَةِ بَأْسِ اللَّهِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوْبَةِ هِيَ كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ، وَالْكَفُّ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَمْرٍ مَقْدُورٍ، وَأَمَّا الْمُحَالُ فَلَا يُعْقَلُ كَفُّ النَّفْسِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ هِيَ الْإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِيقَاعُ حَتَّى يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِقْلَاعُ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الذَّنْبَ عَزْمٌ جَازِمٌ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، يَقْتَرِنُ بِهِ فِعْلُهُ الْمَقْدُورُ، وَالتَّوْبَةُ مِنْهُ عَزْمٌ جَازِمٌ عَلَى تَرْكِ الْمَقْدُورِ، يَقْتَرِنُ بِهِ التَّرْكُ، وَالْعَزْمُ عَلَى غَيْرِ الْمَقْدُورِ مُحَالٌ، وَالتَّرْكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute