للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُعَارِضَاتُ الْقُصُودِ، وَاعْتِرَاضَاتُ الْأَحْكَامِ.

هَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ، بِحَسَبِ الشُّهُودِ وَالْإِرَادَةِ.

الْأَوَّلُ: حُزْنُ الْمُعَارِضَاتِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ يَعْتَرِضُهُ وَارِدُ الرَّجَاءِ مَثَلًا، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ يُعَارِضَهُ وَارِدُ الْخَوْفِ، وَبِالْعَكْسِ، وَيَعْتَرِضُهُ وَارِدُ الْبَسْطِ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ يَعْتَرِضَهُ وَارِدُ الْقَبْضِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ وَارِدُ الْأُنْسِ، فَيَعْتَرِضُهُ وَارِدُ الْهَيْبَةِ، فَيُوجِبُ لَهُ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْمُعَارِضَاتِ عَلَيْهِ حُزْنًا لَا مَحَالَةَ.

وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمُعَارِضَاتُ مِنْ قَبِيلِ الْخَوَاطِرِ، بَلْ هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْوَارِدَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، فَلِذَلِكَ قَالَ " دُونَ الْخَوَاطِرِ " فَإِنَّ مُعَارِضَاتِ الْخَوَاطِرِ غَيْرُ هَذَا.

وَعِنْدَ الْقَوْمِ هَذَا مِنْ آثَارِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَاتِّصَالِ أَشِعَّةِ أَنْوَارِهَا بِالْقَلْبِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِالتَّجَلِّي.

وَأَمَّا مُعَارِضَاتٌ الْقُصُودِ فَهِيَ أَصْعَبُ مَا عَلَى الْقَوْمِ، وَفِيهِ يَظْهَرُ اضْطِرَارُهُمْ إِلَى الْعِلْمِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ، فَإِنَّ الصَّادِقَ يَتَحَرَّى فِي سُلُوكِهِ كُلِّهِ أَحَبَّ الطُّرُقِ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ سَالِكٌ بِهِ وَإِلَيْهِ، فَيَعْتَرِضُهُ طَرِيقَانِ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَرْضَى لِلَّهِ وَأَحَبَّ إِلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُحَكِّمُ الْعِلْمَ بِجُهْدِهِ اسْتِدْلَالًا، فَإِنْ عَجَزَ فَتَقْلِيدًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا سَكَنَ يَنْتَظِرُ مَا يَحْكُمُ لَهُ بِهِ الْقَدَرُ، وَيُخْلِي بَاطِنَهُ مِنَ الْمَقَاصِدِ جُمْلَةً.

وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْقِي الْكُلَّ عَلَى شَيْخِهِ، إِنْ كَانَ لَهُ شَيْخٌ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْجَأُ إِلَى الِاسْتِخَارَةِ وَالدُّعَاءِ، ثُمَّ يَنْتَظِرُ مَا يَجْرِي بِهِ الْقَدَرُ.

وَأَصْحَابُ الْعَزَائِمِ يَبْذُلُونَ وُسْعَهُمْ فِي طَلَبِ الْأَرْضَى عِلْمًا وَمَعْرِفَةً، فَإِنْ أَعْجَزَهُمْ قَنِعُوا بِالظَّنِّ الْغَالِبِ، فَإِنْ تَسَاوَى عِنْدَهُمُ الْأَمْرَانِ، قَدَّمُوا أَرْجَحَهُمَا مَصْلَحَةً.

وَلِتَرْجِيحِ الْمَصَالِحِ رُتَبٌ مُتَفَاوِتَةٌ، فَتَارَةً تَتَرَجَّحُ بِعُمُومِ النَّفْعِ، وَتَارَةً تَتَرَجَّحُ بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ، وَتَارَةً تَتَرَجَّحُ بِمُخَالَفَةِ النَّفْسِ، وَتَارَةً تَتَرَجَّحُ بِاسْتِجْلَابِ مَصْلَحَةٍ أُخْرَى لَا تَحْصُلُ مِنْ غَيْرِهَا، وَتَارَةً تَتَرَجَّحُ بِأَمْنِهَا مِنَ الْخَوْفِ مِنْ مَفْسَدَةٍ لَا تُؤْمَنُ فِي غَيْرِهَا.

فَهَذِهِ خَمْسُ جِهَاتٍ مِنَ التَّرْجِيحِ، قَلَّ أَنْ يَعْدِمَ وَاحِدَةً مِنْهَا.

فَإِنْ أَعْوَزَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ تَخَلَّى عَنِ الْخَوَاطِرِ جُمْلَةً، وَانْتَظَرَ مَا يُحَرِّكُهُ بِهِ مُحَرِّكُ الْقَدَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>