للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، وَافْتَقَرَ إِلَى رَبِّهِ افْتِقَارَ مُسْتَنْزِلٍ مَا يُرْضِيهِ وَيُحِبُّهُ، فَإِذَا جَاءَتْهُ الْحَرَكَةُ اسْتَخَارَ اللَّهَ، وَافْتَقَرَ إِلَيْهِ افْتِقَارًا ثَانِيًا، خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْحَرَكَةُ نَفْسِيَّةً أَوْ شَيْطَانِيَّةً، لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّهِ، وَاسْتِمْرَارِ الْمِحْنَةِ بِعَدُوِّهِ، مَا دَامَ فِي عَالَمِ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ، ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ.

فَهَذَا نِهَايَةُ مَا فِي مَقْدُورِ الصَّادِقِينَ.

وَلِأَهْلِ الْجِهَادِ فِي هَذَا مِنَ الْهِدَايَةِ وَالْكَشْفِ مَا لَيْسَ لِأَهْلِ الْمُجَاهَدَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ: إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَانْظُرُوا مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الثَّغْرِ، يَعْنِي أَهْلَ الْجِهَادِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: ٦٩] .

وَأَمَّا اعْتِرَاضَاتُ الْأَحْكَامِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَحْكَامِ الْأَحْكَامَ الْكَوْنِيَّةَ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَأَنْ يُرِيدَ بِهَا الْأَحْكَامَ الدِّينِيَّةَ، فَإِنَّ أَرْبَابَ الْأَحْوَالِ يَقَعُ مِنْهُمُ اعْتِرَاضَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا يُرِيدُونَهُ، فَيَحْزَنُونَ عِنْدَ إِدْرَاكِهِمْ لِتِلْكَ الِاعْتِرَاضَاتِ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ. وَتِلْكَ الِاعْتِرَاضَاتُ هِيَ إِرَادَتُهُمْ خِلَافَ مَا جَرَى لَهُمْ بِهِ الْقَدَرُ، فَيَحْزَنُونَ عَلَى عَدَمِ الْمُوَافَقَةِ، وَإِرَادَةِ خِلَافِ مَا أُرِيدَ بِهِمْ.

وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَحْكَامَ الدِّينِيَّةَ فَإِنَّهُمْ تَعْرِضُ لَهُمْ أَحْوَالٌ لَا يُمْكِنُهُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَحْكَامِ الْأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَجِدُونَ بُدًّا مِنَ الْقِيَامِ بِأَحْكَامِ الْأَمْرِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِضَ لَهُمُ اعْتِرَاضٌ خَفِيٌّ أَوْ جَلِيٌّ، بِحَسَبِ انْقِطَاعِهِمْ عَنِ الْحَالِ بِالْأَمْرِ، فَيَحْزَنُونَ لِوُجُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>