وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ مَا حَجَزَكَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: الْخَوْفُ هُوَ الِانْخِلَاعُ مِنْ طُمَأْنِينَةِ الْأَمْنِ بِمُطَالَعَةِ الْخَبَرِ.
يَعْنِي الْخُرُوجَ عَنْ سُكُونِ الْأَمْنِ بِاسْتِحْضَارِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.
قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ، الدَّرَجَةُ الْأُولَى: الْخَوْفُ مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَهُوَ الْخَوْفُ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْإِيمَانُ، وَهُوَ خَوْفُ الْعَامَّةِ، وَهُوَ يَتَوَلَّدُ مِنْ تَصْدِيقِ الْوَعِيدِ، وَذِكْرِ الْجِنَايَةِ، وَمُرَاقَبَةِ الْعَاقِبَةِ.
وَالْخَوْفُ مَسْبُوقٌ بِالشُّعُورِ وَالْعِلْمِ، فَمُحَالٌ خَوْفُ الْإِنْسَانِ مِمَّا لَا شُعُورَ لَهُ بِهِ.
وَلَهُ مُتَعَلَّقَانِ، أَحَدُهُمَا: نَفْسُ الْمَكْرُوهِ الْمَحْذُورِ وُقُوعُهُ، وَالثَّانِي: السَّبَبُ وَالطَّرِيقُ الْمُفْضِي إِلَيْهِ، فَعَلَى قَدْرِ شُعُورِهِ بِإِفْضَاءِ السَّبَبِ إِلَى الْمَخُوفِ، وَبِقَدْرِ الْمُخَوِّفِ يَكُونُ خَوْفُهُ، وَمَا نَقَصَ مِنْ شُعُورِهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ نَقَصَ مِنْ خَوْفِهِ بِحَسَبِهِ.
فَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ سَبَبَ كَذَا يُفْضِي إِلَى مَحْذُورِ كَذَا لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ السَّبَبِ، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى مَكْرُوهٍ مَا، وَلَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ ذَلِكَ الْخَوْفَ، فَإِذَا عَرَفَ قَدْرَ الْمُخَوِّفِ، وَتَيَقَّنَ إِفْضَاءَ السَّبَبِ إِلَيْهِ حَصَلَ لَهُ الْخَوْفُ.
هَذَا مَعْنَى تَوَلُّدِهِ مِنْ تَصْدِيقِ الْوَعِيدِ، وَذِكْرِ الْجِنَايَةِ، وَمُرَاقَبَةِ الْعَاقِبَةِ.
وَفِي مُرَاقَبَةِ الْعَاقِبَةِ: زِيَادَةُ اسْتِحْضَارِ الْمُخَوِّفِ، وَجَعْلُهُ نُصْبَ عَيْنِهِ، بِحَيْثُ لَا يَنْسَاهُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ لَكِنَّ نِسْيَانَهُ وَعَدَمَ مُرَاقَبَتِهِ يَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ الْخَوْفِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْخَوْفُ عَلَامَةَ صِحَّةِ الْإِيمَانِ، وَتَرَحُّلُهُ مِنَ الْقَلْبِ عَلَامَةُ تَرَحُّلِ الْإِيمَانِ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ.
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: خَوْفُ الْمَكْرِ فِي جَرَيَانِ الْأَنْفَاسِ الْمُسْتَغْرِقَةِ فِي الْيَقَظَةِ، الْمَشُوبَةِ بِالْحَلَاوَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute