السَّائِلِينَ» . فَإِنَّ السَّائِلِينَ سَأَلُوهُ. فَأَعْطَاهُمُ الْفَضْلَ الَّذِي سَأَلُوهُ. وَالرَّاضُونَ رَضُوا عَنْهُ فَأَعْطَاهُمْ رِضَاهُ عَنْهُمْ، وَلَا يَمْنَعُ الرِّضَا سُؤَالُهُ أَسْبَابَ الرِّضَا، بَلْ أَصْحَابُهُ مُلِحُّونَ فِي سُؤَالِهِ ذَلِكَ.
السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْدُبُ إِلَى أَعْلَى الْمَقَامَاتِ. فَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْهُ: حَطَّ إِلَى الْمَقَامِ الْوَسَطِ، كَمَا قَالَ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ» فَهَذَا مَقَامُ الْمُرَاقَبَةِ الْجَامِعُ لِمَقَامَاتِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ. ثُمَّ قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» فَحَطَّهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْمَقَامِ الْأَوَّلِ إِلَى الْمَقَامِ الثَّانِي، وَهُوَ الْعِلْمُ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرُؤْيَتِهِ لَهُ، وَمُشَاهَدَتِهِ لِعَبْدِهِ فِي الْمَلَأِ وَالْخَلَاءِ، وَكَذَا الْحَدِيثُ الْآخَرُ: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ بِالرِّضَا مَعَ الْيَقِينِ فَافْعَلْ. فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا» فَرَفَعَهُ إِلَى أَعْلَى الْمَقَامَاتِ. ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى أَوْسَطِهَا إِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْأَعْلَى. فَالْأَوَّلُ: مَقَامُ الْإِحْسَانِ. وَالَّذِي حَطَّهُ إِلَيْهِ: مَقَامُ الْإِيمَانِ. وَلَيْسَ دُونَ ذَلِكَ إِلَّا مَقَامُ الْخُسْرَانِ.
السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى الرَّاضِينَ بِمُرِّ الْقَضَاءِ بِالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ وَالْفِقْهِ، وَالْقُرْبِ مِنْ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ. كَمَا فِي حَدِيثِ «الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: مُؤْمِنُونَ. فَقَالَ: مَا عَلَامَةُ إِيمَانِكُمْ؟ فَقَالُوا: الصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَالشُّكْرُ عِنْدَ الرَّخَاءِ، وَالرِّضَا بِمُرِّ الْقَضَاءِ. وَالصِّدْقُ فِي مُوَاطِنِ اللِّقَاءِ، وَتَرْكُ الشَّمَاتَةِ بِالْأَعْدَاءِ. فَقَالَ: حُكَمَاءُ عُلَمَاءُ. كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ» .
الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّ الرِّضَا آخِذٌ بِزِمَامِ مَقَامَاتِ الدِّينِ كُلِّهَا. وَهُوَ رُوحُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute