وَحَيَاتُهَا. فَإِنَّهُ رُوحُ التَّوَكُّلِ وَحَقِيقَتُهُ، وَرُوحُ الْيَقِينِ، وَرُوحُ الْمَحَبَّةِ، وَصِحَّةُ الْمُحِبِّ، وَدَلِيلُ صِدْقِ الْمَحَبَّةِ، وَرُوحُ الشُّكْرِ وَدَلِيلُهُ.
قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ: كَثْرَةُ ذِكْرِهِ. فَإِنَّكَ لَا تُحِبُّ شَيْئًا إِلَّا أَكْثَرْتَ مِنْ ذِكْرِهِ. وَعَلَامَةُ الدِّينِ: الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ. وَعَلَامَةُ الشُّكْرِ، الرِّضَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَالتَّسْلِيمُ لِقَضَائِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحِوَارِيِّ: ذَاكَرْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ فِي الْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ: أَوَّلُ [مَنْ] يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ الْحَمَّادُونَ فَقَالَ: وَيْحَكَ، لَيْسَ هُوَ أَنْ تَحْمَدَهُ عَلَى الْمُصِيبَةِ وَقَلْبُكَ يَتَعَصَّى عَلَيْكَ. إِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى الصَّابِرِينَ. إِنَّمَا الْحَمْدُ: أَنْ تَحْمَدَهُ وَقَلْبُكَ مُسَلِّمٌ رَاضٍ.
فَصَارَ الرِّضَا كَالرُّوحِ لِهَذِهِ الْمَقَامَاتِ، وَالْأَسَاسِ الَّذِي تَنْبَنِي عَلَيْهِ. وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا بِدُونِهِ أَلْبَتَّةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّ الرِّضَا يَقُومُ مَقَامَ كَثِيرٍ مِنَ التَّعَبُّدَاتِ الَّتِي تَشُقُّ عَلَى الْبَدَنِ. فَيَكُونُ رِضَاهُ أَسْهَلَ عَلَيْهِ، وَأَلَذَّ لَهُ، وَأَرْفَعَ فِي دَرَجَتِهِ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي أَثَرٍ إِسْرَائِيلِيٍّ: أَنَّ عَابِدًا عَبَدَ اللَّهَ دَهْرًا طَوِيلًا، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ: أَنَّ فُلَانَةَ الرَّاعِيَةَ رَفِيقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ، فَسَأَلَ عَنْهَا، إِلَى أَنْ وَجَدَهَا. فَاسْتَضَافَهَا ثَلَاثًا لِيَنْظُرَ إِلَى عَمَلِهَا فَكَانَ يَبِيتُ قَائِمًا وَتَبِيتُ نَائِمَةً. وَيَظَلُّ صَائِمًا وَتَظَلُّ مُفْطِرَةً. فَقَالَ لَهَا: أَمَا لَكِ عَمَلٌ غَيْرُ مَا رَأَيْتُ؟ قَالَتْ: مَا هُوَ وَاللَّهِ غَيْرَ مَا رَأَيْتَ - أَوْ قَالَتْ: إِلَّا مَا رَأَيْتَ - لَا أَعْرِفُ غَيْرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ لَهَا: تَذَكَّرِي. حَتَّى قَالَتْ: خُصَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ فِيَّ. وَذَلِكَ: أَنِّي إِنْ كُنْتُ فِي شِدَّةٍ لَمْ أَتَمَنَّ أَنِّي فِي رَخَاءٍ. وَإِنْ كُنْتُ فِي مَرَضٍ لَمْ أَتَمَنَّ أَنِّي فِي صِحَّةٍ. وَإِنْ كُنْتُ فِي شَمْسٍ لَمْ أَتَمَنَّ أَنِّي فِي الظِّلِّ. قَالَ: فَوَضَعَ الْعَابِدُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ. وَقَالَ: أَهَذِهِ خُصَيْلَةٌ؟ هَذِهِ وَاللَّهِ خَصْلَةٌ عَظِيمَةٌ يَعْجِزُ عَنْهَا الْعُبَّادُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute