نَعَمِ، النَّقْصُ كُلُّ النَّقْصِ: فِي حَمْلِ النَّفْسِ وَالشَّهْوَةِ وَالْحَظِّ الْمُخَالِفِ لِمُرَادِ الرَّبِّ تَعَالَى الدِّينِيِّ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ، وَالسَّيْرِ بِهِ إِلَى النَّفْسِ. وَلَعَلَّ الْعَامِلَ عَلَى الْفَنَاءِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ. وَهُوَ مَلْبُوسٌ عَلَيْهِ. فَالْعَارِفُ يَسْتَقْصِي التَّفْتِيشَ عَنْ كَمَائِنِ النَّفْسِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: مَنْ لَمْ يَكُنْ كَيْفَ يَشْكُرُ مَنْ لَمْ يَزَلْ؟ فَهَذَا بِالشَّطْحِ أَلْيَقُ مِنْهُ بِالْمَعْرِفَةِ. فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَزَلْ إِذَا أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِالشُّكْرِ، وَرَضِيَهُ مِنْهُ وَأَحَبَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ، وَاسْتَدْعَاهُ وَاقْتَضَاهُ مِنْهُ، وَأَوْجَبَ لَهُ بِهِ الْمَزِيدَ، وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ، وَاشْتَقَّ مِنْهُ لَهُ الِاسْمُ، وَأَوْقَعَ عَلَيْهِ بِهِ الْحُكْمَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ غَايَةُ رِضَاهُ مِنْهُ. وَأَمَرَهُ - مَعَ ذَلِكَ - أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ شُكْرَهُ بِهِ، وَبِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ: فَهَذَا شُكْرُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ يَزَلْ. وَهُوَ مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ.
وَأَمَّا ضَرْبُكُمْ مَثَلَ كِسْوَةِ السُّلْطَانِ لِعَبْدِهِ، وَأَخْذِهِ فِي الشُّكْرِ لَهُ مُكَافَأَةً: فَهَذَا مِنْ أَبْطَلِ الْأَمْثِلَةِ عَقْلًا وَنَقْلًا وَفِطْرَةً. وَهُوَ الْحِجَابُ الَّذِي أَوْجَبَ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ لَا يَجِبُ عَقْلًا، مَا قَالَ ذَلِكَ. حَتَّى زَعَمَ أَنَّ شُكْرَهُ قَبِيحٌ عَقْلًا. وَلَوْلَا الشَّرْعُ لَمَا حَسُنَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ. وَضَرْبُ هَذَا الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبْتُمُوهُ بِعَيْنِهِ. وَهَذَا مِنَ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ، الْمُتَضَمِّنِ قِيَاسَ الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ، وَبِمِثْلِهِ عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْأَوْثَانُ، إِذْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: جَنَابُ الْعَظِيمِ لَا يُهْجَمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ وَسَائِلَ وَوَسَائِطَ. وَسَرَتْ هَاتَانِ الرَّقِيقَتَانِ فِيمَنْ فَسَدَ مِنْ أَهْلِ التَّعَبُّدِ وَأَهْلِ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ. وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ.
فَيُقَالُ: الْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا. تَفُوتُ الْحَصْرَ.
مِنْهَا: أَنَّ الْمَلِكَ مُحْتَاجٌ فَقِيرٌ إِلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، لَا يَقُومُ مُلْكُهُ إِلَّا بِهِ. فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مُعَاوَضَةٍ بِتِلْكَ الْكِسْوَةِ - مَثَلًا - خِدْمَةً لَهُ، وَحِفْظًا لَهُ، وَذَبًّا عَنْهُ، وَسَعْيًا فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ. فَكِسْوَتُهُ لَهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ. فَإِذَا أَخَذَ فِي شُكْرِهِ. فَكَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ ثَمَنًا لِنِعْمَتِهِ. وَلَيْسَ بِثَمَنٍ لَهَا.
وَأَمَّا إِنْعَامُ الرَّبِّ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ: فَإِحْسَانٌ إِلَيْهِ، وَتَفَضُّلٌ عَلَيْهِ، وَمُجَرَّدُ امْتِنَانٍ. لَا لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَلَا لِمُعَاوَضَةٍ، وَلَا لِاسْتِعَانَةٍ بِهِ، وَلَا لِيَتَكَثَّرَ بِهِ مِنْ قِلَّةٍ، وَلَا لِيَتَعَزَّزَ بِهِ مِنْ ذِلَّةٍ، وَلَا لِيَقْوَى بِهِ مِنْ ضَعْفٍ. سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ.
وَأَمْرُهُ لَهُ بِالشُّكْرِ أَيْضًا: إِنْعَامٌ آخَرُ عَلَيْهِ. وَإِحْسَانٌ مِنْهُ إِلَيْهِ. إِذْ مَنْفَعَةُ الشُّكْرِ تَرْجِعُ إِلَى الْعَبْدِ دُنْيَا وَآخِرَةً. لَا إِلَى اللَّهِ. وَالْعَبْدُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِشُكْرِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute