لِأَنَّ تَأَثُّرَهُ بِمَا يَرَاهُ وَيَسْمَعُهُ: أَعْظَمُ مِنْ تَأَثُّرِهِ بِمَا يَلْمَسُهُ وَيَذُوقُهُ وَيَشَمُّهُ. وَلِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ: هِيَ طُرُقُ الْعِلْمِ. وَهِيَ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْعَقْلُ.
وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِالسَّمْعِ وَارْتِبَاطُهُ بِهِ: أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالْبَصَرِ وَارْتِبَاطِهِ بِهِ. وَلِهَذَا يَتَأَثَّرُ بِمَا يَسْمَعُهُ مِنَ الْمَلْذُوذَاتِ أَعْظَمُ مِمَّا يَتَأَثَّرُ بِمَا يَرَاهُ مِنَ الْمُسْتَحْسَنَاتِ. وَكَذَلِكَ فِي الْمَكْرُوهَاتِ سَمَاعًا وَرُؤْيَةً. وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ حَاسَّةَ السَّمْعِ أَفْضَلُ مِنْ حَاسَّةِ الْبَصَرِ لِشَدَّةِ تَعَلُّقِهَا بِالْقَلْبِ، وَعِظَمِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا. وَتَوَقُّفِ كَمَالِهِ عَلَيْهَا. وَوُصُولِ الْعُلُومِ إِلَيْهِ بِهَا، وَتَوَقُّفِ الْهُدَى عَلَى سَلَامَتِهَا.
وَرَجَحَّتْ طَائِفَةٌ حَاسَّةَ الْبَصَرِ لِكَمَالِ مُدْرَكِهَا. وَامْتِنَاعِ الْكَذِبِ فِيهِ. وَزَوَالِ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ بِهِ. وَلِأَنَّهُ عَيْنُ الْيَقِينِ. وَغَايَةُ مُدْرَكِ حَاسَّةِ السَّمْعِ عِلْمُ الْيَقِينِ. وَعَيْنُ الْيَقِينِ أَفْضَلُ، وَأَكْمَلُ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ. وَلِأَنَّ مُتَعَلِّقَهَا رُؤْيَةُ وَجْهِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ فِي دَارِ النَّعِيمِ. وَلَا شَيْءَ أَعْلَى وَأَجَلَّ مِنْ هَذَا التَّعَلُّقِ.
وَحَكَمَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ حُكْمًا حَسَنًا. فَقَالَ: الْمُدْرَكُ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ. وَالْمُدْرَكُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ. فَلِلسَّمْعِ الْعُمُومُ وَالشُّمُولُ، وَالْإِحَاطَةُ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ، وَالْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَالْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ، وَلِلْبَصَرِ: التَّمَامُ وَالْكَمَالُ.
وَإِذَا عَرَفَ هَذَا. فَهَذِهِ الْحَوَاسُّ الْخَمْسُ لَهَا أَشْبَاحٌ وَأَرْوَاحٌ، وَأَرْوَاحُهَا حَظُّ الْقَلْبِ وَنَصِيبُهُ مِنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute