لِآلِهَتِهِمْ وَأَنْدَادِهِمْ، وَهِيَ مُحْضَرَةٌ مَعَهُمْ فِي الْعَذَابِ {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٩٧ - ٩٨] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يُسَوُّوهُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الْخَلْقِ وَالرُّبُوبِيَّةِ. وَإِنَّمَا سَوَّوْهُمْ بِهِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ. .
وَهَذَا أَيْضًا هُوَ الْعَدْلُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: ١] أَيْ يَعْدِلُونَ بِهِ غَيْرَهُ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الْمَحَبَّةُ وَالتَّعْظِيمُ. وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ.
وَقِيلَ: الْبَاءُ. بِمَعْنَى " عَنْ " وَالْمَعْنَى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَنْ رَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِهِ. وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ. إِذْ لَا تَقُولُ الْعَرَبُ عَدَلْتُ بِكَذَا، أَيْ عَدَلْتُ عَنْهُ. وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي فِعْلِ السُّؤَالِ. نَحْوَ: سَأَلْتُ بِكَذَا. أَيْ عَنْهُ. كَأَنَّهُمْ ضَمَّنُوهُ: اعْتَنَيْتُ بِهِ وَاهْتَمَمْتُ. وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] وَهِيَ تُسَمَّى آيَةُ الْمَحَبَّةِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: لَمَّا ادَّعَتِ الْقُلُوبُ مَحَبَّةَ اللَّهِ: أَنْزَلَ اللَّهُ لَهَا مِحْنَةً {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: ادَّعَى قَوْمٌ مَحَبَّةَ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْمِحْنَةِ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] .
وَقَالَ " {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] " إِشَارَةٌ إِلَى دَلِيلِ الْمَحَبَّةِ وَثَمَرَتِهَا، وَفَائِدَتِهَا. فَدَلِيلُهَا وَعَلَامَتُهَا: اتِّبَاعُ الرَّسُولِ. وَفَائِدَتُهَا وَثَمَرَتُهَا: مَحَبَّةُ الْمُرْسَلِ لَكُمْ. فَمَا لَمْ تَحْصُلِ الْمُتَابَعَةُ. فَلَيْسَتْ مَحَبَّتُكُمْ لَهُ حَاصِلَةً. وَمَحَبَّتُهُ لَكُمْ مُنْتَفِيَةً.
وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: ٥٤] فَقَدْ ذَكَرَ لَهُمْ أَرْبَعَ عَلَامَاتٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ أَذِلَّةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَرِقَّاءُ، رُحَمَاءُ مُشْفِقُونَ عَلَيْهِمْ. عَاطِفُونَ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا ضَمَّنَ أَذِلَّةً هَذَا الْمَعْنَى عَدَّاهُ بِأَدَاةِ " عَلَى ". قَالَ عَطَاءٌ: لِلْمُؤْمِنِينَ كَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ. وَعَلَى الْكَافِرِينَ كَالْأَسَدِ عَلَى فَرِيسَتِهِ {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute