للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَلَامَةُ الثَّالِثَةُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالنَّفْسِ وَالْيَدِ، وَاللِّسَانِ وَالْمَالِ، وَذَلِكَ تَحْقِيقُ دَعْوَى الْمَحَبَّةِ.

الْعَلَامَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُمْ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ. وَهَذَا عَلَامَةُ صِحَّةِ الْمَحَبَّةِ فَكُلُّ مُحِبٍّ يَأْخُذُهُ اللَّوْمُ عَنْ مَحْبُوبِهِ فَلَيْسَ بِمُحِبٍّ عَلَى الْحَقِيقَةِ. كَمَا قِيلَ:

لَا كَانَ مَنْ لِسِوَاكَ فِيهِ بَقِيَّةٌ ... يَجِدُ السَّبِيلَ بِهَا إِلَيْهِ اللُّوَمُ.

وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: ٥٧]- إِلَى قَوْلِهِ - {مَحْذُورًا} [الإسراء: ٥٧] فَذِكْرُ الْمَقَامَاتِ الثَّلَاثِ: الْحُبُّ. وَهُوَ ابْتِغَاءُ الْقُرْبِ إِلَيْهِ، وَالتَّوَسُّلُ إِلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. وَالرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْتِغَاءَ الْوَسِيلَةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى رَجَاءِ الرَّحْمَةِ وَخَوْفِ الْعَذَابِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ قَطْعًا: أَنَّكَ لَا تَتَنَافَسُ إِلَّا فِي قُرْبِ مَنْ تُحِبُّ قُرْبَهُ، وَحُبُّ قُرْبِهِ تَبَعٌ لِمَحَبَّةِ ذَاتِهِ. بَلْ مَحَبَّةُ ذَاتِهِ أَوْجَبَتْ مَحَبَّةَ الْقُرْبِ مِنْهُ. وَعِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ: مَا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ شَيْءٌ. فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا تَقْرَبُ ذَاتُهُ مِنْ شَيْءٍ، وَلَا يَقْرَبُ مِنْ ذَاتِهِ شَيْءٌ، وَلَا يُحِبُّ لِذَاتِهِ. وَلَا يُحَبُّ.

فَأَنْكَرُوا حَيَاةَ الْقُلُوبِ، وَنَعِيمَ الْأَرْوَاحِ، وَبَهْجَةَ النُّفُوسِ، وَقُرَّةَ الْعُيُونِ، وَأَعْلَى نَعِيمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَلِذَلِكَ ضُرِبَتْ قُلُوبُهُمْ بِالْقَسْوَةِ، وَضُرِبَتْ دُونَهُمْ وَدُونَ اللَّهِ حُجُبٌ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ. فَلَا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يُحِبُّونَهُ. وَلَا يَذْكُرُونَهُ إِلَّا عِنْدَ تَعْطِيلِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ فَذِكْرُهُمْ أَعْظَمُ آثَامِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ.

بَلْ يُعَاقِبُونَ مَنْ يَذْكُرُهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ. وَيَرْمُونَهُمْ بِالْأَدْوَاءِ الَّتِي هُمْ أَحَقُّ بِهَا وَأَهْلُهَا، وَحَسْبُ ذِي الْبَصِيرَةِ وَحَيَاةِ الْقَلْبِ: مَا يَرَى عَلَى كَلَامِهِمْ مِنَ الْقَسْوَةِ وَالْمَقْتِ، وَالتَّنْفِيرِ عَنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: ٥٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>